وما هم استئناف إخبار بأنهم مذبذبون، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، كما قال عليه الصلاة والسلام :" مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين لأنه مع المؤمنين بقوله ومع الكفار بقلبه " وقال ابن عطية : يحتمل تأويلاً آخر، وهو أن يكون قوله :﴿ ما هم ﴾ يريد به اليهود، وقوله :﴿ ولا منهم ﴾ يريد به المنافقين، فيجيء فعل المنافقين على هذا التأويل أحسن، لأنهم تولوا مغضوباً عليهم، ليسوا من أنفسهم فيلزمهم ذمامهم، ولا من القوم المحقين فتكون الموالاة صواباً. انتهى.
والظاهر التأويل الأول، لأن الذين تولوا هم المحدث عنهم.
والضمير في ﴿ ويحلفون ﴾ عائد عليهم، فتتناسق الضمائر لهم ولا تختلف.
وعلى هذا التأويل يكون ﴿ ما هم ﴾ استئنافاً، وجاز أن يكون حالاً من ضمير ﴿ تولوا ﴾.
وعلى احتمال ابن عطية، يكون ﴿ ما هم ﴾ صفة لقوم.
﴿ ويحلفون على الكذب ﴾، إما أنهم ما سبوا، كما روي في سبب النزول، أو على أنهم مسلمون.
والكذب هو ما ادعوه من الإسلام.
﴿ وهم يعلمون ﴾ : جملة حالية يقبح عليهم، إذ حلفوا على خلاف ما أبطنوا، فالمعنى : وهم عالمون متعمدون له.
والعذاب الشديد : المعد لهم في الآخرة.
وقرأ الجمهور :﴿ أيمانهم ﴾ جمع يمين ؛ والحسن : إيمانهم، بكسر الهمزة : أي ما يظهرون من الإيمان، ﴿ جنة ﴾ : أي ما يتسترون به ويتقون المحدود، وهو الترس، ﴿ فصدوا ﴾ : أي أعرضوا، أو صدوا الناس عن الإسلام، إذ كانوا يثبطون من لقوا عن الإسلام ويضعفون أمر الإيمان وأهله، أو صدوا المسلمين عن قتلهم بإظهار الإيمان، وقتلهم هو سبيل الله فيهم، لكن ما أظهروه من الإسلام صدوا به المسلمين عن قتلهم.
﴿ لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً ﴾ : تقدم الكلام على هذه الجملة في أوائل آل عمران.
﴿ فيحلفون له ﴾ : أي لله تعالى.
ألا ترى إلى قولهم :﴿ والله ربنا ما كنا مشركين ﴾ ﴿ كما يحلفون لكم ﴾ أنهم مؤمنون، وليسوا بمؤمنين.


الصفحة التالية
Icon