واعلموا أنهم "لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً" أي اليهود والمنافقون "إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ" لشدة جبنهم وخوفهم منكم، فلا يبرزون إلى ميدان القتال ولا يقدرون على مقابلتكم فيه ولكنهم إذا قاتلوا بعضهم يكون "بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ" لسوء طويتهم وشدة حقدهم بعضهم على بعض ولكن إذا قاتلوكم جبنوا وألقي في قلوبهم الرّعب منكم لما أوقع اللّه في قلوبهم من هيبتكم "تَحْسَبُهُمْ" أيها الرّائي عند ما تراهم "جَمِيعاً" متحدين مؤتلفين كلا بل هم متفرقون متنافرون "وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى" متفرقة يبغضون بعضهم ويتحاسدون على القليل والكثير، وهذه الواو للمحال أي والحال على خلاف
ما ترونهم وتظنون بهم "ذلِكَ" اجتماعهم في الأجسام وتفرقهم في القلوب وشدة بأسهم على بعضهم "بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ" (١٤) أوامر اللّه ونواهيه فيبهتون ويتحيرون ولو عقلوا لما كان هذا شأنهم، مثلهم يا سيد الرّسل "كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ" أهل مكة ومن حذا حذوهم "قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ" في حادثة بدر وهذا عذابهم في الدّنيا "وَلَهُمْ" في الآخرة "عَذابٌ أَلِيمٌ" (١٥) لاتقواه قواهم ومثل المنافقين الّذين وعدوهم بالمعونة وتعهدوا لهم بالنصرة ثم خذلوهم "كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ" (١٦) من عاقبة الكفر الوخيمة ولهذا "فَكانَ عاقِبَتَهُما" أي الشّيطان المغوي للانسان والإنسان التابع لإغوائه "أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ" (١٧) أنفسهم باتباع أهوائهم وشياطينهم، وبئس الجزاء.
مطلب قصة برصيصا الرّاهب وكفره وجريج الرّاهب وبراءته، وتسبب العلماء لإهانة أنفسهم :