"لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ" وجعلنا فيه التمييز كما جعلناه فيكم أيها النّاس "لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ" فيجدر بكم أيها المؤمنون أن تخشعوا وتخضعوا لتلاوته وأوامره.
راجع الآية ١٤٢ من الأعراف وانظر كيف دك الجبل بمجرد تجلي اللّه تعالى عليه مع أنه لا يعقل ولكن اللّه تعالى يضع فيه العقل إذا شاء حتى انه إذا أنزل عليه كلامه خشع وتصدع وهذا مثل ضربه اللّه لكم أيها النّاس لتعتبروا لأنكم أنتم الّذين يجدر بكم أن يصدر منكم ذلك "وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" (٢١) فيها فيعتبرون ويتعظون، تشير هذه إلى قساوة قلوب النّاس وفيها تهديد لهم، قال تعالى (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) الآية ١٢ من سورة الزمر ج ٢ وبعد أن بين اللّه عظمة كتابه ذكر بعض عظمة أسمائه فقال تعالى "هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ" (٢٢) الذي أنزل عليكم كتابه رحمة بكم وأرسل إليكم رسله نعمة لكم فقدروا رحمته واشكروا نعمته ليتفضل عليكم بجنته واعلم أن الغيب كلّ ما غاب عن الخلق فكل ما لا يعملونه هو عالم به كالمشاهد له لا فرق عنده بين الغائب والحاضر إذ لا يعزب عن علمه شيء ولا غيب عليه والغيب بالنسبة لنا، أما هو جل شأنه فالغيب والشّهادة عنده سواء "هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ" المتصرف بالأمور خفيها وجليها "الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ" الطاهر المنزه عن سمات خلقه المبرأ من كلّ عيب ونقص في الماضي والحال والمستقبل "السَّلامُ" الذي لا يطرأ عليه شيء مما يطرأ على خلقه من الحوادث سابقا وآنا ولاحقا وهو اسم مبالغة المسالم "الْمُؤْمِنُ" خلقه