وبين أنه لا يجب عليه شيء لأحد بقوله تعالى :﴿فضلاً من الله﴾ أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له لأنه المختص بجميع صفات الكمال من الدنيا والدين والآخرة فيغنيهم بفضله عمن سواه ﴿ورضواناً﴾ يوفقهم لما يرضيه عنهم ولا يجعل رغبتهم في العوض منه قادحاً في الإخلاص فيوصلهم إلى دار كرامته.
ولما وصفهم بتعليق بواطنهم به سبحانه وقطعها بالرضا بالإخراج عمن أو عما سواه، وصفهم ببذل ظواهرهم له فقال :﴿وينصرون﴾ أي على سبيل التجديد في كل وقت والاستمرار ﴿الله﴾ أي الملك الأعظم المجيد ﴿ورسوله﴾ الذي عظمته من عظمته بأنفسهم وأموالهم ليضمحل حزب الشيطان.
ولما بان ما له بهم سبحانه من العناية ترقب السامع من مدحهم ما يليق بهذا الإحبار.
فقال مستأنفاً ما هو كالعلة لتخصيصهم :﴿أولئك﴾ أي العالو الرتبة في الأخلاق الفاضلة ﴿هم﴾ أي خاصة لا غيرهم ﴿الصادقون﴾ العريقون في هذا الوصف لأن مهاجرتهم لما ذكر وتركهم لما وصف دل على كمال صدقهم فيما ادعوه من الإيمان بالله ورسوله ـ ﷺ ـ حيث نابذوا من عاداهما وهو القريب الصافي نسباً وداراً وأولوا أولياءهما من كانوا وإن بعدت دارهم وشط مزارهم، وهذا يدل على أن مبنى الدين على إقامة البينات بالثبات عن الابتلاءات على أن العون قد يأتي على قدر البلاء لأن الله تعالى قد خص المهاجرين مما أذن فيه من أموال بني النضير.