ولما أخبر عن تخليهم عن الرذائل أتبعه الإخبار بتحليهم بالفضائل فقال :﴿ويؤثرون﴾ عظم ذلك بقصر الفعل فصار المعنى : يوقعون الأثرة وهي اختيار الأشياء الحسنة لغيرهم تخصيصاً لهم بها لا على أحبائهم مثلاً بل ﴿على أنفسهم﴾ فيبذلون لغيرهم ﴿كائناً﴾ من كان ما في أيديهم، وذكر النفس دليل على أنهم في غاية النزاهة من الرذائل لأن النفس إذا ظهرت كان القلب أطهر، وأكد ذلك بقوله :﴿ولو كان﴾ أي كوناً هو في غاية المكنة ﴿بهم﴾ أي خاصة لا بالمؤثر ﴿خصاصة﴾ أي فقر وخلل في الأحوال وحاجة شديدة تحيط بهم من كل جانب، من خصائص البناء وهي فرجه.
ولما كان التقدير : فمن كان كذلك فهو من الصادقين : عطف عليه قوله :﴿ومن﴾ ولما كان المقصود النزاهة عن الرذيلة من أي جهة كانت، وكان علاج الرذائل صعباً جداً، لا يطيقه الإنسان إلا بمعونة من الله شديدة، بنى للمفعول قوله :﴿يوق شح نفسه﴾ أي يحصل بينه وبين أخلاقه الذميمة المشار إليها بالنفس، وقاية تحول بينه وبينها، فلا يكون مانعاً لما عنده، حريصاً على ما عند غيره حسداً، قال ابن عمر ـ رضى الله عنه ـ : الشح أن تطمح عين الرجل فيما ليس له، قال ـ ﷺ ـ :" اتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ".
ولما كان النظر إلى التطهير من سفساف الأخلاق عظيماً، سبب عنه إفهاماً لأنه لا يحصل ما سببه عنه بدونه قوله ﴿فأولئك﴾ : أي العالو المنزلة ﴿هم﴾ أي خاصة لا غيرهم ﴿المفلحون﴾ أي الكاملون في الفوز بكل مراد، قال القشيري : وتجرد القلب من الأعراض والأملاك صفة السادة والأكابر، ومن أسرته الأخطار وبقي في شح نفسه فهو في مصارفة معاملته ومطالبة الناس في استيفاء حظه، فليس له من مذاقات هذه الطريقة شيء.