قوله تعالى :﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرعب﴾ قال أهل اللغة : الرعب، الخوف الذي يستوعب الصدر، أي يملؤه، وقذفه إثباته فيه، وفيه قالوا في صفة الأسد : مقذف، كأنما قذف باللحم قذفاً لاكتنازه وتداخل أجزائه، واعلم أن هذه الآية تدل على قولنا من أن الأمور كلها لله، وذلك لأن الآية دلت على أن وقوع ذلك الرعب في قلوبهم كان من الله ودلت على أن ذلك الرعب صار سبباً في إقدامهم على بعض الأفعال، وبالجملة فالفعل لا يحصل إلا عند حصول داعية متأكدة في القلب، وحصول تلك الداعية لا يكون إلا من الله، فكانت الأفعال بأسرها مسندة إلى الله بهذا الطريق.
قوله تعالى :﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المؤمنين﴾ فيه مسائل :
المسألة الأولى :
قال أبو علي : قرأ أبو عمرو وحده :﴿يُخْرِبُونَ﴾ مشددة، وقرأ الباقون :﴿يُخْرِبُونَ﴾ خفيفة، وكان أبو عمرو يقول : الإخراب أن يترك الشيء خراباً والتخريب الهدم، وبنو النضير خربوا وما أخربوا قال المبرد : ولا أعلم لهذا وجهاً، ويخربون هو الأصل خرب المنزل، فإنما هو تكثير، لأنه ذكر بيوتاً تصلح للقليل والكثير، وزعم سيبويه أنهما يتعاقبان في الكلام، فيجري كل واحد مجرى الآخر، نحو فرحته وأفرحته، وحسنه الله وأحسنه، وقال الأعمش :
وأخربت من أرض قوم دياراً.. وقال الفراء :﴿يُخْرِبُونَ﴾ بالتشديد يهدمون، وبالتخفيف يخربون منها ويتركونها.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon