فدُرِّبُوا على الأزقة وحصّنوها إحدى وعشرين ليلةً، فلما قذف الله في قلوبهم الرُّعب وأيسوا من نصر المنافقين طلبوا الصلح ؛ فأبى عليهم إلا الجلاء ؛ على ما يأتي بيانه.
وقال الزهري وابن زيد وعروة بن الزبير : لما صالحهم النبيّ ﷺ على أن لهم ما أقلّت الإبل ؛ كانوا يستحسنون الخشبة والعمود فيهدمون بيوتهم ويحملون ذلك على إبلهم ويخرِّب المؤمنون باقيها.
وعن ابن زيد أيضاً : كانوا يخرّبونها لئلا يسكنها المسلمون بعدهم.
وقال ابن عباس : كانوا كلما ظهر المسلمون على دار من دورهم هدموها ليتسع موضع القتال، وهم ينقبون دورهم من أدبارها إلى التي بعدها ليتحصّنوا فيها، ويرموا بالتي أخرجوا منها المسلمين.
وقيل : ليسدّوا بها أزِقّتهم.
وقال عكرمة ﴿ بِأَيْدِيهِمْ ﴾ في إخراب دواخلها وما فيها لئلا يأخذه المسلمون.
وب "أيْدي المؤْمنين" في إخراب ظاهرها ليصلُوا بذلك إليهم.
قال عكرمة : كانت منازلهم مزخرفة فحسدوا المسلمين أن يسكنوها" فخربوها من داخل وخربها المسلمون من خارج.
وقيل :﴿ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ ﴾ بنقض المواعدة ﴿ وَأَيْدِي المؤمنين ﴾ بالمقاتلة ؛ قاله الزهري أيضاً.
وقال أبو عمرو بن العلاء ﴿ بِأَيْدِيهِمْ ﴾ في تركهم لها.
وب ﴿ وَأَيْدِي المؤمنين ﴾ في إجلائهم عنها.
قال ابن العربيّ : التناول للإفساد إذا كان باليد كان حقيقة، وإذا كان بنقض العهد كان مجازاً ؛ إلا أنّ قول الزهري في المجاز أمْثل من قول أبي عمرو بن العلاء.
قوله تعالى :﴿ فاعتبروا ياأولي الأبصار ﴾ أي اتعظوا يا أصحاب العقول والألباب وقيل : يا من عاين ذلك ببصره ؛ فهو جمع للبصر.
ومن جملة الاعتبار هنا أنهم اعتصموا بالحصون من الله فأنزلهم الله منها.
ومن وجوهه : أنه سلط عليهم من كان ينصرهم.
ومن وجوهه أيضاً : أنهم هدموا أموالهم بأيديهم.
ومن لم يعتبر بغيره اعتبر في نفسه.
وفي الأمثال الصحيحة :"السَّعيد من وُعِظ بغيره".


الصفحة التالية
Icon