ثم قال :﴿ لَيُوَلُّنَّ الأدبار ﴾ فأخبر عما قد أخبر أنه لا يكون كيف كان يكون لو كان؟ وهو كقوله تعالى :﴿ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ﴾ [ الأنعام : ٢٨ ].
وقيل : معنى ﴿ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ ﴾ أي ولئن شئنا أن ينصروهم زيَّنا ذلك لهم.
﴿ لَيُوَلُّنَّ الأدبار ﴾.
قوله تعالى :﴿ لأَنتُمْ ﴾ يا معشر المسلمين ﴿ أَشَدُّ رَهْبَةً ﴾ أي خوفاً وخشية ﴿ فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ الله ﴾ يعني صدور بني النَّضير.
وقيل : في صدور المنافقين.
ويحتمل أن يرجع إلى الفريقين ؛ أي يخافون منكم أكثر مما يخافون من ربهم ذلك الخوف.
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ ﴾ أي لا يفقهون قدر عظمة الله وقدرته.
قوله تعالى :﴿ لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً ﴾ يعني اليهود ﴿ إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ ﴾ أي بالحيطان والدُّور ؛ يظنون أنها تمنعهم منكم.
﴿ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ ﴾ أي من خلف حيطان يستترون بها لجُبْنِهم وَرَهْبَتِهم.
وقراءة العامة "جُدُرٍ" على الجمع، وهو اختيار أبي عبيدة وأبي حاتم ؛ لأنها نظير قوله تعالى :﴿ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ ﴾ وذلك جمع.
وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن كثير وابن مُحَيْصِن وأبو عمرو "جِدَارٍ" على التوحيد ؛ لأن التوحيد يؤدى عن الجمع.
وروي عن بعض المكّيين "جَدْر" ( بفتح الجيم وإسكان الدال ) ؛ وهي لغة في الجدار.
ويجوز أن يكون معناه من وراء نخيلهم وشجرهم ؛ يقال : أجْدَر النخل إذا طلعت رؤوسه في أوّل الربيع.
والجِدْر : نبتٌ واحدته جِدْرة.
وقُرِىء "جُدْر" ( بضم الجيم وإسكان الدال ) جمع الجدار.
ويجوز أن تكون الألف في الواحد كألف كِتاب، وفي الجمع كألف ظِراف.
ومثله ناقة هِجَانٌ ونُوقٌ هجان ؛ لأنك تقول في التثنية : هجانان ؛ فصار لفظ الواحد والجمع مشتبهين في اللفظ مختلفين في المعنى ؛ قاله ابن جِنيّ.
قوله تعالى :﴿ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ﴾ يعني عداوة بعضهم لبعض.


الصفحة التالية
Icon