ولما جمعهم في الكفر وإن افترقوا في المساترة والمجاهرة، وصف المجاهرين بنوع مساترة توجب النفرة منهم وتقضي بهلاك من صادقهم فقال :﴿الذي كفروا﴾ أي غطوا أنوار المعارف التي دلتهم على الحق، وعينهم بما أبلغ في ذمهم من حيث إنهم ضلوا على علم فقال :﴿من أهل الكتاب﴾ وهم بنو النضير هؤلاء، وبكتهم بكذبهم فيما أكدوا الموعد به لأنه في حيز ما ينكر من جهة أنهم لا يقدرون على المجاهرة بكفرهم فكيف بالمبارزة بالخلاف لقومهم الأنصار والنبي ـ ﷺ ـ فيهم في قولهم :﴿لئن أخرجتم﴾ أي من مخرج ما من بلدهم الذي في المدينة الشريفة فخرجتم من غير أن تقاتلوا ﴿لنخرجن معكم﴾ فكان ما قضي به على إخوانهم من الإخراج فألاً وكل بمنطقهم.
ولما كان من المعلوم أن للمنافقين أقارب من أكابر المؤمنين، وكان من المعلوم - أنهم يقومون عليهم في منعهم من القيام معهم نصيحة لهم وإحساناً إليهم، وكان تجويز بني النضير موهناً لذلك، قالوا مؤكدين للكون معهم :﴿ولا نطيع فيكم﴾ أي في خذلانكم، والمعنى أنه لو فرض أنه صار أحد في القرب منكم مثل قرب المظروف من الظرف ما أطعناه في التقصير فيما يسركم ﴿أحداً﴾ أي يسألنا خذلانكم من الرسول والمؤمنين، وأكدوا بقولهم :﴿أبداً﴾ أي ما دمنا نعيش، وبمثل هذا العزم استحق الكافر الخلود الأبدي في العذاب.
ولما قدموا في معونتهم ما كان فألاً قاضياً عليهم، أتبعوه قولهم :﴿وإن قوتلتم﴾ أي من أي مقاتل كان فقاتلتم ولم تخرجوا ﴿لننصرنكم﴾ فالآية من الاحتباك : ذكر الإخراج أولاً دليلاً على ضده ثانياً، والقتال ثانياً دليلاً على حذف ضده أولاً، ومعنى الآية أن النبي ـ ﷺ ـ إلى بني النضير :" اخرجوا من بلدي ولا تساكنوني، قد هممتم بالغدر بن وقد أجلتكم عشراً، فمن رئي بعد لك منكم ضربت عنقه " فأرسل إليهم ابن أبي بما تقدم.