ولما كان قد مر في هذه السورة فضلاً عما تقدمها من حكمة هذا القرآن وإعجازه تارة بمطابقته لما نزل بسببه مطابقة تجلو عنه كل إشكال، وتارة بما يشاهد من صدقه فيما أخبر بإتيانه من الأفعال، وأخرى بما يتحدى به من الأقوال، ومرة بنظم كل جملة مع ما تقدمها على ما لم يكن لبشر مثله في الأحوال إلى غير ذلك من أمور لا يحصرها المقال، ترتب على ذلك قوله مبيناً أن سبب افتراق الفريقين في العقبى افتراقهم في هذا القرآن في الأولى تمثيلاً للقلوب في قسوتها أو لينها عند سماع القرآن وتخيلاً توبيخاً للقاسي ومدحاً للعاطف اللين لافتاً القول إلى أسلوب العظمة لاقتضاء الحال لها :﴿لو أنزلنا﴾ بعظمتنا التي أبانها هذا الإنزال ﴿هذا القرآن﴾ أي الجامع لجميع العلوم، الفارق بين كل ملتبس - المبين لجميع الحكم ﴿على جبل﴾ أي أي جبل كان ﴿لرأيته﴾ مع صلابته وفوته يا أشرف الخلق إن لم يتأهل غيرك لمثل تلك الرؤية ﴿خاشعاً﴾ أي مطمئناً مخبتاً على صلابته متذللاً باكياً ﴿متصدعاً﴾ أي متشققاً غاية التشقق كما تصدع الطور لتجلينا له بما دون ذلك من العظمة التي جلونا كلامنا الشريف لموسى عليه السلام في ملابسها ﴿من خشية الله﴾ أي من الخوف العظيم من له الكمال كله حذراً من أن لا يكون مؤدياً ما افترض عليه من تعظيم القرآن عند سماعه فما لابن لآدم وقد آتاه الله من العقل ما لم يؤت الجبل يستخف بحقه، ويعرض عما فيه من العبر، وفي الآية مدح للنبي ـ ﷺ ـ في ثباته لما لا تثبت له الجبال، وذم للمعرضين بكونهم أقسى من الجبال.