فصل
قال الفخر :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾
ثم إنه تعالى رجع إلى موعظة المؤمنين فقال :﴿يا أيها الذين ءَامَنُواْ اتقوا الله وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾.
الغد : يوم القيامة سماه باليوم الذي يلي يومك تقريباً له، ثم ذكر النفس والغد على سبيل التنكير.
أما الفائدة في تنكير النفس فاستقلال الأنفس التي تنظر فيما قدمت للآخرة كأنه قال : فلتنظر نفس واحدة في ذلك، وأما تنكير الغد فلتعظيمه وإبهام أمره كأنه قيل : الغد لا يعرف كنهه لعظمه.
ثم قال :﴿واتقوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ كرر الأمر بالتقوى تأكيداً أو يحمل الأول : على أداء الواجبات والثاني : على ترك المعاصي.
ثم قال تعالى :﴿وَلاَ تَكُونُواْ كالذين نَسُواْ الله فأنساهم أَنفُسَهُمْ﴾ وفيه وجهان : الأول : قال المقاتلان : نسوا حق الله فجعلهم ناسين حق أنفسهم حتى لم يسعوا لها بما ينفعهم عنده الثاني :﴿فأنساهم أَنفُسَهُمْ﴾ أي أراهم يوم القيامة من الأهوال ما نسوا فيه أنفسهم، كقوله :﴿لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ﴾ [ إبراهيم : ٤٣ ] ﴿وَتَرَى الناس سكارى وَمَا هُم بسكارى﴾ [ الحج : ٢ ].
ثم قال :﴿أولئك هُمُ الفاسقون﴾ والمقصود منه الذم، واعلم أنه تعالى لما أرشد المؤمنين إلى ما هو مصلحتهم يوم القيامة بقوله :﴿وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ [ الحشر : ١٨ ] وهدد الكافرين بقوله :﴿كالذين نَسُواْ الله فأنساهم أَنفُسَهُمْ﴾ بين الفرق بين الفريقين فقال :
لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (٢٠)
واعلم أن التفاوت بين هذين الفريقين معلوم بالضرورة، فذكر هذا الفرق في مثل هذا الموضع يكون الغرض منه التنبيه على عظم ذلك الفرق، وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :