ولما كان ربما قيل : إن تركهم لنصرهم إنما هو لخوف الله أو غير ذلك مما يحسن وقعه، علل بما ينفي ذلك ويظهر أن محط نظرهم المحسوسات كالبهائم فقال مؤكداً له لأجل أن أهل النفاق ينكرون ذلك وكذا من قرب حاله منهم :﴿لا أنتم﴾ أيها المؤمنون ﴿أشد رهبة﴾ أي من جهة الرهبة وهو تمييز محول عن المبتدأ أي لرهبتكم الكائنة فيهم أشد وأعظم ﴿في صدورهم﴾ أي اليهود ومن ينصرهم مما أفاض إليها من قلوبهم ﴿من الله﴾ أي من رهبتهم التي يظهرونها لكم منه وإن ذكروه بكل صفة من صفاته فرهبتهم منكم بسبب لإظهارهم أنه يرهبون الله رياء لكم.
ولما كان هذا مما يتعجب منه المؤمن علله بقوله :﴿ذلك﴾ أي الأمر الغريب وهو خوفهم الثابت اللازم من مخلوق مثلهم ضعيف يزينهم له وعدم خوفهم من الخالق على ما له من العظمة وذاته ولكونه غنياً عنهم ﴿بأنهم قوم﴾ أي على ما لهم من القوة ﴿لا يفقهون﴾ أي لا يتجدد لهم بسبب كفرهم واعتمادهم على مكرهم في وقت من الأوقات فهم يشرح صدورهم ليدركوا به أن الله هو الذي ينبغي إن يخشى لا غيره، بل هم كالحيوانات لا نظر لهم إلى الغيب إنما هم مع المحسوسات، والفقه هو العلم بمفهوم الكلام ظاهره الجلي وغامضه الخفي بسرعة فطنة وجودة قريحة.
ولما أخبر برهبتهم دل عليها بقوله :﴿لا يقاتلونكم﴾ أي كل من الفريقين اليهود والمنافقين أو أحدهما.
ولما كان الشيء قد يطلق ويراد بعضه، حقق الأمر بقوله :﴿جميعاً﴾ أي قتالاً يقصدونه مجاهرة وهم مجتمعون كلهم في وقت من الأوقات ومكان من الأماكن ﴿إلا في قرى محصنة﴾ أي ممنعة بحفظ الدروب وهي السكك الواسعة بالأبواب والخنادق ونحوها ﴿أو من وراء جدر﴾ أي محيط بهم سواء كان بقرية أو غيرها لشدة خوفهم، وقد أخرج بهذا ما حصل من بعضهم عن ضرورة كاليسير، ومن كان ينزل من أهل خيبر من الحصن يبارز ونحو ذلك، فإنه لم يكن عن اجتماع، أو يكون هذا خاصاً ببني النضير في هذه الكرة.