ثم رجع سبحانه إلى خطاب المؤمنين بالموعظة الحسنة فقال :﴿ ياأيها الذين ءامَنُواْ اتقوا الله ﴾ أي : اتقوا عقابه بفعل ما أمركم به، وترك ما نهاكم عنه ﴿ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾ أي : لتنظر أيّ شيء قدّمت من الأعمال ليوم القيامة، والعرب تكني عن المستقبل بالغد، وقيل : ذكر الغد تنبيهاً على قرب الساعة ﴿ واتقوا الله ﴾ كرّر الأمر بالتقوى للتأكيد ﴿ إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ لا تخفى عليه من ذلك خافية، فهو مجازيكم بأعمالكم إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشرّ، ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كالذين نَسُواْ الله ﴾ أي : تركوا أمره، أو ما قدّروه حق قدره، أو لم يخافوه، أو جميع ذلك ﴿ فأنساهم أَنفُسَهُمْ ﴾ أي : جعلهم ناسين لها بسبب نسيانهم له، فلم يشتغلوا بالأعمال التي تنجيهم من العذاب، ولم يكفوا عن المعاصي التي توقعهم فيه، ففي الكلام مضاف محذوف، أي : أنساهم حظوظ أنفسهم.
قال سفيان : نسوا حقّ الله، فأنساهم حق أنفسهم، وقيل : نسوا الله في الرخاء، فأنساهم أنفسهم في الشدائد ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الفاسقون ﴾ أي : الكاملون في الخروج عن طاعة الله.
﴿ لاَ يَسْتَوِى أصحاب النار وأصحاب الجنة ﴾ في الفضل، والرتبة، والمراد الفريقان على العموم، فيدخل في فريق أهل النار من نسي الله منهم دخولاً أوّلياً، ويدخل في فريق أهل الجنة الذين اتقوا دخولاً أوّلياً ؛ لأن السياق فيهم، وقد تقدّم الكلام في معنى مثل هذه الآية في سورة المائدة، وفي سورة السجدة، وفي سورة ص.
ثم أخبر سبحانه وتعالى عن أصحاب الجنة بعد نفي التساوي بينهم، وبين أهل النار فقال :﴿ أصحاب الجنة هُمُ الفائزون ﴾ أي : الظافرون بكلّ مطلوب الناجون من كلّ مكروه.