وعبّر عنهم بالفاسقين قوله تعالى :﴿ نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون ﴾ في سورة [ براءة : ٦٧ ]، فتكون هذه الآية ناظرة إلى تلك.
ويحتمل أن يكون المراد بهم اليهود لأنهم أضاعوا دينهم ولم يقبلوا رسالة عيسى عليه السلام وكفروا بحمد.
فالمعنى : نسوا دين الله وميثاقه الذي واثقهم به، قال تعالى :﴿ وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون وآمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم ﴾ [ البقرة : ٤٠ - ٤١ ].
وقد أطلق نسيانهم على الترك والإِعراض عن عمد أي فنسوا دلائل توحيد الله ودلائلَ صفاته ودلائلَ صدق رسوله ﷺ وفهم كتابه فالكلام بتقدير حذف مضاف أو مضافين.
ومعنى "أنساهم أنفسهم" أن الله لم يخلق في مداركهم التفطن لفهم الهدي الإِسلامي فيعملوا بما ينجيهم من عذاب الآخرة ولما فيه صَلاحهم في الدنيا، إذ خذلهم بذبذبة آرائهم فأصبح اليهود في قبضة المسلمين يخرجونهم من ديارهم، وأصبح المنافقون ملموزين بين اليهود بالغدر ونقض العهد وبين المسلمين بالاحتقار واللعن.
وأشعر فاء التسبب بأن إِنسَاء الله إياهم أنفسهم مسبب على نسيانهم دين الله، أي لمَّا أعرضوا عن الهدى بكسبهم وإرادتهم عاقبهم الله بأن خلق فيهم نسيان أنفسهم.
وإظهار اسم الجلالة في قوله تعالى :﴿ كالذين نسوا الله ﴾ دون أن يقال : نسُوهُ لاستفظاع هذا النسيان فعلق باسم الله الذي خلقهم وأرشدهم.
والقصر المستفاد من ضمير الفصل في قوله :﴿ أولئك هم الفاسقون ﴾ قصر ادعائي للمبالغة في وصفهم بشدة الفسق حتى كأنّ فسق غيرهم ليس بفسق في جانب فسقهم.
واسم الإِشارة للتشهير بهم بهذا الوصف.
والفسق : الخروج من المكان الموضوع للشيء فهو صفة ذم غالباً لأنه مفارقة للمكان اللائق بالشيء، ومنه قيل : فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها، فالفاسقون هم الآتون بفواحش السيئات ومساوىء الأعمال وأعظمها الإِشراك.