وقوله هنا ﴿ أصحاب الجنة هم الفائزون ﴾، وتقدم في قوله تعالى :﴿ لا يستوي القاعدون من المؤمنين ﴾ الآية ( ٩٥ ) في سورة النساء.
وأما من ذهب من علماء الأصول إلى تعميم نحو لا يستوون من قوله تعالى :﴿ أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون ﴾ [ السجدة : ١٨ ] فاستدلُّوا به على أن الفاسق لا يلِي ولاية النكاح، وهو استدلال الشافعية فليس ذلك بمرضي، وقد أباه الحنفية ووافقهم تاج الدين السبكي في غير "جمع الجوامع".
والقصر المستفاد من ضمير الفصل في قوله تعالى :﴿ أصحاب الجنة هم الفائزون ﴾ قصر ادعائي لأن فوزهم أبدِيّ فاعتبر فوز غيرهم ببعض أمور الدنيا كالعدم.
لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ
لما حذّر المسلمين من الوقوع في مهواة نسيان الله التي وقع فيها الفاسقون، وتوعد الدين نَسُوا الله بالنار، وبيّن حالهم بأن الشيطان سوّل لهم الكفر.
وكان القرآن دالاً على مسالك الخير ومحذّراً من مسالك الشر، وما وقع الفاسقون في الهلكة إلا من جراء إهمالهم التدبر فيه، وذلك من نسيانهم الله تعالى انتقل الكلام إلى التنويه بالقرآن وهديه البيّن الذي لا يصرف الناسَ عنه إلا أهواؤهم ومكابرتهم، وكان إعراضهم عنه أصل استمرار ضلالهم وشركهم، ضَرب لهم هذا المثل تعجيباً من تصلبهم في الضلال.
وفي هذا الانتقال إيذان بانتهاء السورة لأنه انتقال بعد طول الكلام في غرضضِ فَتح قُرى اليهود وما ينال المنافقين من جَرَّائِه من خسران في الدنيا والآخرة.
و﴿ هذا القرآن ﴾ إشارة إلى المقدار الذي نَزل منه، وهو ما عرفوه وتلَوه وسمعوا تلاوته.
وفائدة الإِتيان باسم إشارة القريب التعريض لهم بأن القرآن غير بعيد عنهم.
وأنه في متناولهم ولا كلفة عليهم في تدبره ولكنهم قصدوا الإِعراض عنه.
وهذا مثَلٌ ساقه الله تعالى كما دلّ عليه قوله :﴿ وتلك الأمثال ﴾ الخ.


الصفحة التالية
Icon