ولما علم من هذا أنه لا بد أن يكون المصور بالغ الحكمة، أردفه بقوله تعالى :﴿له﴾ أي خاصة لا لغيره ﴿الأسماء الحسنى﴾ أي من الحكيم وغيره ممن لا يتم التصوير إلا به ولا تدركونه أنتم حق إدراكه.
ولما أخبر سبحانه أول السورة أن الكائنات أوجدت تسبيحه خضوعاً لعزته وحكمته، ودل على ذلك بما تقدم إلى أن أسمعه الآذان الواعية بالأسماء الحسنى، دل على دوام اتصافه بذلك من يحتاج لما له من النقص من الخلق إلى التذكير فعبر بالمضارع فقال :﴿يسبح﴾ أي يكرر التنزيه الأعظم من كل شائبة نقص على سبيل التجدد والاستمرار ﴿له﴾ أي على وجه التخصيص بما أفهمه قصر المتعدي وتعديته باللام ﴿ما في السماوات﴾ ولما كان هذا المنزه الذي استجلى التنزيه من الأسماء الحسنى قد أشرقت أنفاسه ولطفت أقطاره وأغراسه حتى صار علوياً فرأى الأرض عالية كالسماء لما شاركتها به في الدلالة على تمام كماله لجعلها معها لأنه لا يحتاج إلى تأكيد كالشيء الواحد بإسقاط " ما " وألصقها بها إلاحة إلى ذلك فقال :﴿والأرض﴾ فمن تأمل الوجود مجملاً ومفصلاً، علم تسبيح ذلك كله بنعوت الكمال وأوصاف الجلال والجمال ﴿وهو﴾ أي والحال أنه وحده ﴿العزيز﴾ أي الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء ولا يوجد له مثل، ويعز الوصول إليه ويشتد الحاجة إليه.


الصفحة التالية
Icon