﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي : أقروا بالإيمان باللسان ﴿اتقوا الله﴾ أي : اجعلوا لكم وقاية تقيكم سخط الملك الأعظم باتباع أوامره واجتناب نواهيه، واحذروا عقوبته بسبب التقصير فيما حدّه لكم من أمر أو نهي ﴿ولتنظر نفس ما قدّمت لغد﴾ أي : في يوم القيامة لأنّ هذه الدنيا كلها كيوم واحد يجيء فيه ناس ويذهب آخرون، والموت والآخرة لا بدّ من كل منهما، وكل ما لا بدّ منه فهو في غاية القرب، والعرب تكني عن المستقبل بالغد.
وقيل : ذكر الغد تنبيهاً على أنّ الساعة قريبة كقول القائل : وإنّ غداً لناظره قريب. وقال الحسن وقتادة : قرب الساعة حتى جعلها كغد، لأنّ كل آت قريب، والموت لا محالة آت. ومعنى ﴿ما قدمت﴾ أي : من خير أو شر، ونكر النفس لاستقلال الأنفس التي تنظر فيما قدمت للآخرة، كأنه قال : ولتنظر نفس واحدة في ذلك، ونكر الغد لتعظيمه وإبهام أمره كأنه قال : الغد لا تعرف كميته لعظمته. وقوله تعالى :﴿واتقوا الله﴾ أي : الجامع لجميع صفات الكمال تأكيد.
وقيل : كرّر لتغاير متعلق التقويين فمتعلق الأولى أداء الفرائض لاقترانه بالعمل، والثانية ترك المعاصي لاقترانه بالتهديد والوعيد، قال معناه الزمخشري ﴿إن الله﴾ أي : الذي له الأسماء الحسنى والصفات العليا ﴿خبير﴾ أي عظيم الاطلاع على ظواهركم وبواطنكم والإحاطة ﴿بما تعملون﴾ فلا تعملون عملاً إلا كان بمرأى من ومسمع فاسحيوا منه.
﴿ولا تكونوا﴾ أيها المحتاجون إلى التحذير وهم الذين آمنوا ﴿كالذين نسوا الله﴾ أي : أعرضوا عن أوامر ونواهي الملك الأعظم، وتركوهها ترك الناسين لمن برزت عنه مع ماله من صفات الجلال والإكرام ﴿فأنساهم﴾ أي : فتسبب عن ذلك أن أنساهم بماله من الإحاطة بالظواهر والبواطن ﴿أنفسهم﴾ أي : فلم يقدموا لها ما ينفعها، وإن قدموا شيئاً كان مشوباً بالمفسدات من الرياء والعجب فكانوا ممن قال فيه تعالى :﴿وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة﴾ (الغاشية، الآيتان : ـ )