وقيل : إنه خطاب للأمة، والمعنى : لو أنذر بهذا القرآن الجبال لتصدّعت من خشية الله تعالى، والإنسان أقل قوة وأكثر ثباتاً فهو يقوم بحقه إن أطاع، ويقدر على ردّه إن عصى لأنه موعود بالثواب ومزجور بالعقاب.
ولما وصف تعالى القرآن بالعظم، ومعلوم أن عظم الصفة تابع لعظم الموصوف أتبع ذلك بوصف عظمته تعالى، فقال عز من قائل :﴿هو﴾ أي : الذي وجوده من ذاته فلا عدم له بوجه من الوجوه، فلا شيء يستحق الوصف بهو غيره لأنه الموجود دائماً أزلاً وأبداً فهو حاضر في كل ضمير غائب بعظمته عن كل حس، فلذلك تصدّع الجبل من خشيته ولما عبر عنه بأخص أسمائه أخبر عنه لطفاً بنا وتنزلاً لنا بأشهرها الذي هو مسمى الأسماء كلها بقوله تعالى :﴿الله﴾ أي : المعبود الذي لا ينبغي العبادة والألوهية الإله ﴿الذي لا إله إلا هو﴾ فإنه لا مجالس له، ولا يليق ولا يصح ولا يتصوّر أن يكافئه، أو يدانيه شيء والإله أول اسم لله تعالى فلذلك لا يكون أحد مسلماً إلا بتوحيده، فتوحيده فرض وهو أساس كل فريضة ﴿عالم الغيب﴾ أي : الذي غاب عن جميع خلقه ﴿والشهادة﴾ أي : الذي وجد فكان يحسه ويطلع عليه بعض خلقه. وقال ابن عباس : معناه عالم السرّ والعلانية، وقيل : ما كان وما يكون. وقال سهل : عالم بالآخرة والدنيا، وقيل : استوى في علمه السرّ والعلانية والموجود والمعدوم. وقوله تعالى :﴿هو الرحمن الرحيم﴾ معناه ذو الرحمة، ورحمة الله تعالى إرادته الخير والنعمة والإحسان إلى خلقه. وقيل : إنّ رحمن أشدّ مبالغة من رحيم، ولهذا قيل : هو رحمن الدنيا ورحيم الآخرة لأنه تعالى بإحسانه في الدنيا يعم المؤمن والكافر، وفي الآخرة يختص إنعامه وإحسانه بالمؤمنين.