والظاهر أنه عنى بالعلماء بذلك الأثر ؛ لأنه لم يفسر إلا بالمأثور. ولعل ابن مسعود فسر الآية بذلك، لدلالة سياقها عليه، إذ القصد تزهيد الأنصار في أن تطمح أنفسهم لما جعل للمهاجرين دونهم. أو هو يرى الفرق بين الشح والبخل بما ذكره. وعلى كل فلا يتعين تأويل الآية بما ذكره بل هي مما تحتمله. وعن ابن زيد في الآية قال : من وُقِيَ شح نفسه فلم يأخذ من الحرام شيئاً ولم يقربه، ولم يدعه الشح أن يحبس من الحلال شيئاً، فهو من المفلحين.
وروى ابن جرير عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ﷺ :< برىء من الشح من أدى الزكاة، وقرى الضيف، وأعطى في النائبة >.
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله ﷺ :< اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الفحش فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، وإياكم والشح فإنه أهلك من قبلكم : أمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالفجور ففجروا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا >.
وعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله ﷺ يقول :< لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبداً، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبداً >.
﴿ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ يعني بالذين جاؤوا من بعدهم، الذين هاجروا حين قوي الإسلام من بعد الذين هاجروا مخْرَجين من ديارهم، فالمراد مجيئهم إلى المدينة بعد مدة. والمجيء حسي. وقيل : هم المؤمنون بعد الفريقين إلى يوم القيامة ؛ فالمجيء إما إلى الوجود، أو إلى الإيمان. ونظير هذه الآية، أية براءة :


الصفحة التالية
Icon