بهذا يتصل شأن الرسل بقدر الله المباشر ; ويتحدد مكانهم في دولاب القدر الدوار. ويتبين أنهم - ولو أنهم بشر - متصلون بإرادة الله ومشيئته اتصالا خاصا، يجعل لهم دورا معينا في تحقيق قدر الله في الأرض، بإذن الله وتقديره. فما يتحركون بهواهم، وما يأخذون أو يدعون لحسابهم. وما يغزون أو يقعدون، وما يخاصمون أو يصالحون، إلا لتحقيق جانب من قدر الله في الأرض منوط بهم وبتصرفاتهم وتحركاتهم في هذه الأرض. والله هو الفاعل من وراء ذلك كله. وهو على كل شيء قدير..
(ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.. كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم. وما آتاكم الرسول فخذوه. وما نهاكم عنه فانتهوا. واتقوا الله إن الله شديد العقاب)..
وتبين هذه الآية الحكم الذي أسلفنا تفصيلا. ثم تعلل هذه القسمة فتضع قاعدة كبرى من قواعد التنظيم الإقتصادي والإجتماعي في المجتمع الإسلامي: (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم).. كما تضع قاعدة كبرى في التشريع الدستوري للمجتمع الإسلامي: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).. ولو أن هاتين القاعدتين جاءتا بمناسبة هذا الفيء وتوزيعه، إلا أنهما تتجاوزان هذا الحادث الواقع إلى آماد كثيرة في أسس النظام الاجتماعي الإسلامي.
والقاعدة الأولى، قاعدة التنظيم الاقتصادي، تمثل جانبا كبيرا من أسس النظرية الاقتصادية في الإسلام. فالملكية الفردية معترف بها في هذا النظرية. ولكنها محددة بهذه القاعدة. قاعدة ألا يكون المال دولة بين الأغنياء، ممنوعا من التداول بين الفقراء. فكل وضع ينتهي إلى أن يكون المال دولة بين الإغنياء وحدهم هو وضع يخالف النظرية الاقتصادية الإسلامية كما يخالف هدفا من أهداف التنظيم الاجتماعي كله. وجميع الارتباطات والمعاملات في المجتمع الإسلامي يجب أن تنظم بحيث لا تخلق مثل هذا الوضع أو تبقي عليه إن وجد.


الصفحة التالية
Icon