وهي صورة صادقة تبرز فيها أهم الملامح المميزة للمهاجرين.. أخرجوا إخراجا من ديارهم وأموالهم. أكرههم على الخروج الأذى والاضطهاد والتنكر من قرابتهم وعشيرتهم في مكة. لا لذنب إلا أن يقولوا ربنا الله... وقد خرجوا تاركين ديارهم وأموالهم (يبتغون فضلا من الله ورضوانا)اعتمادهم على الله في فضله ورضوانه. لا ملجأ لهم سواه، ولا جناب لهم إلا حماه.. وهم مع أنهم مطاردون قليلون (ينصرون الله ورسوله).. بقلوبهم وسيوفهم في أحرج الساعات وأضيق الأوقات. (أولئك هم الصادقون).. الذين قالوا كلمة الإيمان بألسنتهم، وصدقوها بعملهم. وكانوا صادقين مع الله في أنهم اختاروه. وصادقين مع رسوله في أنهم اتبعوه. وصادقين مع الحق في أنهم كانوا صورة منه تدب على الأرض ويراها الناس !
والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم، يحبون من هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون..
وهذه كذلك صورة وضيئة صادقة تبرز أهم الملامح المميزة للأنصار. هذه المجموعة التي تفردت بصفات، وبلغت إلى آفاق، لولا أنها وقعت بالفعل، لحسبها الناس أحلاما طائرة ورؤى مجنحة ومثلا عليا قد صاغها خيال محلق..
والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم.. أي دار الهجرة. يثرب مدينة الرسول ( ﷺ ) وقد تبوأها الأنصار قبل المهاجرين. كما تبوأوا فيها الإيمان. وكأنه منزل لهم ودار. وهو تعبير ذو ظلال. وهو أقرب ما يصور موقف الأنصار من الإيمان. لقد كان دارهم ونزلهم ووطنهم الذي تعيش فيه قلوبهم، وتسكن إليه أرواحهم، ويثوبون إليه ويطمئنون له، كما يثوب المرء ويطمئن إلى الدار.