ولما كان أمر القيامة كائناً لا محالة، عبر عنه بالغد، وهو اليوم الذي يلي يومك على سبيل التقريب.
وقال الحسن وقتادة : لم يزل يقر به حتى جعله كالغد، ونحوه : كأن لم تغن بالأمس، يريد تقريب الزمان الماضي.
وقيل : عبر عن الآخرة بالغد، كأن الدنيا والآخرة نهاران، يوم وغد.
قال ابن عطية : ويحتمل أن يريد بقوله :﴿ لغد ﴾ : ليوم الموت، لأنه لكل إنسان كغده.
وقال مجاهد وابن زيد : بالأمس الدنيا وغد الآخرة.
وقال الزمخشري : أما تنكير النفس فاستقلال للأنفس النواظر فيما قدمن للآخرة، كأنه : قيل لغد لا يعرف كنهه لعظمه. انتهى.
وقرأ الجمهور :﴿ لا تكونوا ﴾ بتاء الخطاب ؛ وأبو حيوة : بياء الغيبة، على سبيل الالتفات.
وقال ابن عطية : كناية عن نفس التي هي اسم الجنس ؛ ﴿ كالذين نسوا ﴾ : هم الكفار، وتركوا عبادة الله وامتثال ما أمر واجتناب ما نهى، وهذا تنبيه على فرط غفلتهم واتباع شهواتهم ؛ ﴿ فأنساهم أنفسهم ﴾، حيث لم يسعوا إليها في الخلاص من العذاب، وهذا من المجازاة على الذنب بالذنب.
عوقبوا على نسيان جهة الله تعالى بأن أنساهم أنفسهم.
قال سفيان : المعنى حظ أنفسهم، ثم ذكر مباينة الفريقين : أصحاب النار في الجحيم، وأصحاب الجنة في النعيم، كما قال :﴿ أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون ﴾ وقال تعالى :﴿ أم نجعل المتقين كالفجار ﴾ ﴿ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل ﴾ : هذا من باب التخييل والتمثيل، كما مر في قوله تعالى :﴿ إنا عرضنا الأمانة على السماوات ﴾ ودل على ذلك :﴿ وتلك الأمثال نضربها للناس ﴾ والغرض توبيخ الإنسان على قسوة قلبه، وعدم تأثره لهذا الذي لو أنزل على الجبل لتخشع وتصدع.
وإذا كان الجبل على عظمه وتصلبه يعرض له الخشوع والتصدع، فابن آدم كان أولى بذلك، لكنه على حقارته وضعفه لا يتأثر.


الصفحة التالية
Icon