ففي هذا النص الصريح نطق البقرة ونطق الذئب بكلام معقول من خصائص العقلاء على غير العادة، مما استعجب له الناس وسبحوا الله إعظاماً لما سمعوا، ولكن الرسول ﷺ يدفع هذا الاستعجاب بإعلان إيمانه وتصديقه، ويضم معه أبا بكر وعمر، وإن كانا غائبين عن المجلس، لعلمه منهما أنهما لا ينكران ما ثبت بالسند الصحيح لمجرد استبعاده عقلاً.
وهنا يقال لمنكري التسبيح حقيقة وما المانع من ذلك؟ أهو متعلق القدرة أم استعباد العقل لعدم الإدراك الحسي؟
فأما الأول. فممنوع، لأن الله تعالى على كل شيء قدير. وقد أخرج لقوم صالح ناقة عشراء من جوف الصخرة الصماء، وأنطق الحصا في كفه صلى الله عليه وسلم.
وأما الثاني : فلا سبي إليه حتى ينتظر إدراكه وتحكيم العقل فيهن فإن الله تعالى قال :﴿ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [ الإسراء : ٤٤ ].
فلم يبق إلا الإيمان أشبه ما يكون بالمغيبات. وإيمان تصديق وإثبات لا تكييف وإدراك وخالق الكائنات أعلم بحالها وبما خلقها عليه.
فيجب أن نؤمن بتسبيح كل ما في السماوات والأض، وإن كان مستغرباً عقلاً، ولكن أخبر به خاقه سبحانه، وشاهدنا المثال مسموعاً من بعض أفراده.
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (٢)
﴿ هُوَ الذي أَخْرَجَ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب مِن دِيَارِهِمْ ﴾.
أجمع المفسرون أنها في بني النضير، لا قولاً للحسن أنها في بني قريظة، ورد هذا القول بأن بني قريظة لم يخرجوا ولم يجلوا ولكن قتلوا.