قوله تعالى :﴿ ربنا لا تجعلنا ﴾ الآية، حكاية عن إبراهيم ومن معه والمعنى : لا تغلبهم علينا، فتكون لهم فتنة وسبب ضلالة، لأنهم يتمسكون بكفرهم ويقولون إنما غلبناهم لأنا على الحق وهم على الباطل، نحا هذا المنحى قتادة وأبو مجلز، وقال ابن عباس المعنى : لا تسلطهم علينا فيفتنوننا عن أدياننا فكأنه قال : لا تجعلنا مفتونين فعبر عن ذلك بالمصدر وهذا أرجح الأقوال لأنهم إنما دعوا لأنفسهم، وعلى منحى قتادة إنما دعوا للكفار. أما أن مقصدهم إنما هو أن يندفع عنهم ظهور الكفار الذي يسببه فتن الكفار فجاء في المعنى تحليق بليغ، ونحوه قول النبي ﷺ :" بئس الميت سعد - ليهود - لأنهم يقولون لو كان محمد نبياً لم يمت صاحبه "، وقوله تعالى :﴿ لقد كان لكم ﴾ الآية خطاب لأمة محمد ﷺ وقوله :﴿ لمن ﴾ بدل من قوله ﴿ لكم ﴾ وكرر حرف الجر ليتحقق البدل وذلك عرف هذه المبدلات، ومنه قوله تعالى ﴿ للفقراء المهاجرين ﴾ [ الحشر : ٨ ] وهو في القرآن كثير وأكثر ما يلزم من الحروف في اللام، ثم أعلم تعالى باستغنائه عن العباد وأنه ﴿ الحميد ﴾ في ذاته وأفعاله لا ينقص ذلك كفر كافر ولا نفاق منافق. وروي أن هذه الآيات لما نزلت وأزمع المؤمنون امتثال أمرها وصرم حبال الكفرة وإظهار عداوتهم لحقهم تأسف على قراباتهم وهم من أن لم يؤمنوا ولم يهتدوا حتى يكون بينهم الود والتواصل فنزلت :﴿ عسى الله ﴾ الآية مؤنسة في ذلك ومرجية أن يقع موقع ذلك بإسلامهم في الفتح وصار الجميع إخواناً، ومن ذكر أن هذه المودة تزويج النبي ﷺ أم حبيبة بنت أبي سفيان، وأنها كانت بعد الفتح، فقد أخطأ لأن النبي ﷺ تزوجها وقت هجرة الحبشة، وهذه الآيات نزلت سنة ست من الهجرة، ولا يصح ذلك عن ابن عباس إلا أن يسوقه مثالاً وإن كان متقدماً لهذه الآية، لأنه استمر بعد الفتح كسائر ما نشأ من المودات، و﴿ عسى ﴾ من الله واجبة الوقوع إن شاء الله تعالى. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon