وقال ابن عاشور :
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾
تكرير قوله آنفاً ﴿ قد كانت لكم إسوة حسنة في إبراهيم ﴾ [ الممتحنة : ٤ ] الخ، أعيد لتأكيد التحريض والحث على عدم إضاعة الائتساء بهم، وليبنى عليه قوله لمن كان يرجو الله واليوم الآخر الخ.
وقُرن هذا التأكيد بلام القسم مبالغة في التأكيد.
وإنما لم تتصل بفعل ﴿ كان ﴾ تاء تأنيث مع أن اسمها مؤنث اللفظ لأن تأنيث أسوة غير حقيقي، ولوقوع الفصل بين الفعل ومرفوعه بالجار والمجرور.
والإِسوة هي التي تقدم ذكرها واختلاف القرّاء في همزتها في قوله :﴿ قد كانت لكم إسوة حسنة ﴾.
وقوله :﴿ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ﴾ بدل من ضمير الخطاب في قوله :﴿ لكم ﴾ وهو شامل لجميع المخاطبين، لأن المخاطبين بضمير ﴿ لكم ﴾ المؤمنون في قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ﴾ [ الممتحنة : ١ ] فليس ذكر ﴿ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ﴾ تخصيصاً لبعض المؤمنين ولكنه ذكر للتذكير بأن الإِيمان بالله واليوم الآخر يقتضي تأسيَهم بالمؤمنين السابقين وهم إبراهيم والذين معه.
وأعيد حرف الجر العامل في المبدل منه لتأكيد أن الإِيمان يستلزم ذلك.
والقصد هو زيادة الحث على الائتساء بإبراهيم ومن معه، وليرتب عليه قوله :﴿ ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ﴾، وهذا تحذير من العود لما نُهوا عنه.
ففعل ﴿ يتول ﴾ مضارع تولّى، فيجوز أن يكون ماضيه بمعنى الإِعراض، أي من لا يرجو الله واليوم الآخر ويعرض عن نهي الله فإن الله غنيّ عن امتثاله.
ويجوز عندي أن يكون ماضيه من التولي بمعنى اتخاذ الوَلي، أي من يتخذ عدو الله أولياء فإن الله غنيّ عن ولايته كما في قوله تعالى :﴿ ومن يتولّهم منكم فإنه منهم ﴾ في سورة [ العقود : ٥١ ].


الصفحة التالية
Icon