وقيل : هو استثناء منقطع المعنى، لكن قول إبراهيم لأبيه ﴿ لأستغفرن لك ﴾، فلا تأسوا به فيه فتستغفروا وتفدوا آباءكم الكفار بالاستغفار.
﴿ ربنا عليك توكلنا ﴾ وما بعده، الظاهر أنه من تمام قول إبراهيم متصلاً بما قبل الاستثناء، وهو من جملة ما يتأسى به فيه، وفصل بينهما بالاستثناء اعتناء بالاستثناء ولقربه من المستثنى منه، ويجوز أن يكون أمراً من الله للمؤمنين، أي قولوا ربنا عليك توكلنا، علمهم بذلك قطع العلائق التي بينهم وبين الكفار.
﴿ ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ﴾، قال ابن عباس : لا تسلطهم علينا فيسبوننا ويعذبوننا.
وقال مجاهد : لا تعذبنا بأيديهم أو بعذاب من عندك، فيظنوا أنهم محقون وأنا مبطلون، فيفتنوا لذلك.
وقال قريباً منه قتادة وأبو مجلز، وقول ابن عباس أرجح لأنه دعاء لأنفسهم، وعلى قول غيره دعاء للكافرين، والضمير في فيهم عائد على إبراهيم والذين معه، وكررت الأسوة تأكيداً، وأكد ذلك بالقسم أيضاً، ولمن يرجو بدل من ضمير الخطاب، بدل بعض من كل.
وروي أنه لما نزلت هذه الآية، عزم المسلمون على إظهار عداوات أقربائهم الكفار، ولحقهم هم لكونهم لم يؤمنوا حتى يتوادوا، فنزل ﴿ عسى الله ﴾ الآية مؤنسة ومرجئة، فأسلم الجميع عام الفتح وصاروا إخواناً.
ومن ذكر أن هذه المودة هي تزويج النبي ( ﷺ ) أم حبيبة بنت أبي سفيان، وأنها كانت بعد الفتح فقد أخطأ، لأن تزويجها كان وقت هجرة الحبشة، وهذه الآيات سنة ست من الهجرة، ولا يصح ذلك عن ابن عباس إلا أن يسوقه مثالاً، وإن كان متقدماً لهذه الآية، لأنه استمر بعد الفتح كسائر ما نشأ من المودات، قاله ابن عطية.
وعسى من الله تعالى واجبة الوقوع، ﴿ والله قدير ﴾ على تقليب القلوب وتيسير العسير، ﴿ والله غفور ﴾ لمن أسلم من المشركين.