الثاني : لقائل أن يقول :﴿إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ﴾ الآية، قضية شرطية، ولو كان كذلك فلا يمكن وجود الشرط، وهو قوله :﴿إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ﴾ بدون ذلك النهي، ومن المعلوم أنه يمكن، فنقول : هذا المجموع شرط لمقتضى ذلك النهي، لا للنهي بصريح اللفظ، ولا يمكن وجود المجموع بدون ذلك لأن ذلك موجود دائماً، فالفائدة في ابتغاء مرضاتي ظاهرة، إذ الخروج قد يكون ابتغاء لمرضاة الله وقد لا يكون.
الثالث : قال تعالى :﴿بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ﴾ ولم يقل : بما أسررتم وما أعلنتم، مع أنه أليق بما سبق وهو ﴿تُسِرُّونَ﴾، فنقول فيه من المبالغة ما ليس في ذلك، فإن الإخفاء أبلغ من الإسرار، دل عليه قوله :﴿يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى﴾ [ طه : ٧ ] أي أخفى من السر.
الرابع : قال :﴿بِمَا أَخْفَيْتُمْ﴾ قدم العلم بالإخفاء على الإعلان، مع أن ذلك مستلزم لهذا من غير عكس.
فنقول هذا بالنسبة إلى علمنا، لا بالنسبة إلى علمه تعالى، إذ هما سيان في علمه كما مر، ولأن المقصود هو بيان ما هو الأخفى وهو الكفر، فيكون مقدماً.
الخامس : قال تعالى :﴿وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ﴾ ما الفائدة في قوله :﴿مّنكُمْ﴾ ومن المعلوم أن من فعل هذا الفعل ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السبيل﴾ نقول : إذا كان المراد من ﴿مّنكُمْ﴾ من المؤمنين فظاهر، لأن من يفعل ذلك الفعل لا يلزم أن يكون مؤمناً.
ثم إنه أخبر المؤمنين بعداوة كفار أهل مكة فقال :
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢)