وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ ﴾
عَدَّى اتِخذ إلى مفعولين، وهما ﴿ وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ ﴾.
والعَدُوّ فَعُول من عَدَا، كعفُوّ من عَفَا.
ولكونه على زِنَة المصدر أوقع على الجماعة إيقاعه على الواحد.
وفي هذه الآية سبع مسائل :
الأولى : قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ ﴾ روى الأئمة واللفظ لمسلم " عن عليّ رضي الله عنه قال : بَعَثَنا رسولُ الله ﷺ أنا والزُّبير والمِقْداد فقال :"ائتوا رَوْضَة خَاخٍ فإن بها ظَعِينة معها كتاب فخذوه منها"، فانطلقنا تَعادَى بنا خَيْلُنا، فإذا نحن بالمرأة، فقلنا : أخْرِجي الكتاب، فقالت : ما معي كتاب.
فقلنا : لَتُخْرِجَنّ الكتاب أو لَتُلْقِيَنَّ الثياب، فأخرجته من عِقاصها.
فأتينا به رسول الله ﷺ فإذا فيه : من حاطب بن أبي بَلْتَعَةَ...
إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال رسول الله ﷺ :"يا حاطب ما هذا؟" قال لا تعجل عليّ يا رسول الله، إني كنت امرأً مُلْصَقاً في قريش قال سفيان : كان حَلِيفاً لهم، ولم يكن من أنْفُسِها وكان ممن كان معك من المهاجرين لهم قرابات يَحْمُون بها أهليهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النَّسَب فيهم أن أتّخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي، ولم أفعله كفراً ولا ارتداداً عن ديني، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام.
فقال النبيّ ﷺ :"صَدَق".
فقال عمر : دَعْني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق.
فقال :"إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" " فأنزل الله عز وجل :﴿ يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ ﴾.


الصفحة التالية
Icon