ولما كان المؤمن على جبلة مضادة لجبلة الكافر، عبر بما يفهم أن العداوة كانت موجودة ولكنها كانت مستورة، فقال دالاً على قوتها بتذكير الفعل :﴿وبدا﴾ أي ظهر ظهوراً عظماً، وعلى عظمتها بالدلالة بنزع الخافض على أنها شاحنة لجميع البينين فقال :﴿بيننا وبينكم﴾ أي في جمع الحد الفاصل بين كل واحد منا وكل واحد منكم ﴿العداوة﴾ وهي المباينة في الأفعال بأن يعدو كل على الآخر ولا يكون ذلك إلا عندما يستخف الغيظ الإنسان لإرادة أن يشفي صدره من شدة ما حصل له من حرارة الخنق.
فالعداوة مما يمتد فيكون مالئة لظرفها، قال الشيخ سعد الدين التفتازاني في تلويحه على توضيح صدر الشريعة في أوائله في علاقات المجاز : الفعل المنسوب إلى ظرف الزمان بواسطة تقدير " في " دون ذكره يقتضي كون الظرف معياراً له غير زائد عليه مثل صمت الشهر، يدل على صوم جميع أيامه بخلاف صمت في الشهر، فإذا امتد الفعل الظرف ليكون معياراً له فيصح حمل اليوم - في نحو صرت يوم كذا - على حقيقته، وهو ما يمتد من الطلوع إلى الغروب، وإذا لم يمتد الفعل - يعني مثل وقوع الطلاق - لم يمتد الظرف، لأن الممتد لا يكون معياراً لغير الممتد فحينئذ لا يصح حمل اليوم على النهار الممتد بل يجب أن يكون مجازاً عن جزء من الزمان الذي لا يعتبر في الغرف ممتداً، وهو الآن سواء كان من النهار أو من الليل بدليل قوله تعالى :
﴿ومن يولهم يومئذ دبره﴾ [ الأنفال : ١٦ ] فإن التولي عن الزحف حرام ليلاً كان أو نهاراً ولأن مطلق الآن جزء من الآن اليومي وهو جزء من اليوم، فيكون مطلق الآن جزءاً من اليوم، فتحقق العلاقة.
ولما كان ذلك قد يكون لغير البغض بل لتأديب ونحوه قالوا :﴿والبغضاء﴾ أي وهي المباينة بالقلوب بالبغض العظيم.


الصفحة التالية
Icon