فصل
قال الفخر :
﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ﴾
اعلم أن الأسوة ما يؤتسى به مثل القدوة لما يقتدى به، يقال : هو أسوتك، أي أنت مثله وهو مثلك، وجمع الأسوة أسى، فالأسوة اسم لكل ما يقتدى به، قال المفسرون أخبر الله تعالى أن إبراهيم وأصحابه تبرءوا من قومهم وعادوهم، وقالوا لهم :﴿إِنَاْ بُرآء مِنكُمْ﴾، وأمر أصحاب رسول الله ﷺ أن يأنسوا بهم وبقوله، قال الفراء : يقول أفلا تأسيت يا حاطب بإبراهيم في التبرئة من أهله في قوله تعالى :﴿إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ﴾ وقوله تعالى :﴿إِلاَّ قَوْلَ إبراهيم لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ وهو مشرك وقال مجاهد : نهوا أن يتأسوا باستغفار إبراهيم لأبيه فيستغفرون للمشركين، وقال مجاهد وقتادة : ائتسوا بأمر إبراهيم كله إلا في استغفاره لأبيه، وقيل : تبرءوا من كفار قومكم فإن لكم أسوة حسنة في إبراهيم ومن معه من المؤمنين في البراءة من قومهم، لا في الاستغفار لأبيه، وقال ابن قتيبة : يريد أن إبراهيم عاداهم وهجرهم في كل شيء إلا في قوله لأبيه :﴿لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ وقال ابن الأنباري : ليس الأمر على ما ذكره، بل المعنى قد كانت لكم أسوة في كل شيء فعله، إلا في قوله لأبيه :﴿لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ وقوله تعالى :﴿وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله مِن شَىْء﴾ هذا من قول إبراهيم لأبيه يقول له : ما أغنى عنك شيئاً، ولا أدفع عنك عذاب الله إن أشركت به، فوعده الاستغفار رجاء الإسلام، وقال ابن عباس : كان من دعاء إبراهيم وأصحابه :﴿رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا﴾ الآية، أي في جميع أمورنا ﴿وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا﴾ رجعنا بالتوبة عن المعصية إليك إذ المصير ليس إلا إلى حضرتك، وفي الآية مباحث :