" فصل "
قال الإمام السيوطى :
وقوله تعالى " ولكم في القصاص حياة "
فإن معناه كثير ولفظه قليل، لأن معناه أن الإنسان إذا علم أنه متى قتل قتل كان ذلك داعياً إلى أن لا يقدم على القتل، فارتفع بالقتل الذي هو القصاص كثير من قتل الناس بعضهم لبعض، وكان ارتفاع القتل حياة لهم.
وقد فضلت هذه الجملة على أوجز ما كان عند العرب في هذا المعنى وهو قولهم : القتل أنفى للقتل بعشرين وجهاً أو أكثر.
وقد أشار ابن الأثير إلى إنكار هذا التفضيل
وقال : لا تشبيه بين كلام الخالق وكلام المخلوق، وإنما العلماء يقدحون أذهانهم فيما يظهر لهم من ذلك.
الأول : أن ما يناظره من كلامهم وهو قولهم القصاص حياة أقل حروفاً، فإن حروفه عشرة وحروف القتل أنفى للقتل أربعة عشر.
الثاني : أن نفي القتل لا يستلزم الحياة، والآية ناصة على ثبوت التي هي الغرض المطلوب منه.
الثالث : أن تنكير حياة يفيد تعظيماً، فيدل على أن في القصاص حياة متطاولة كقوله تعالى ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ولا كذلك المثل، فإن اللام فيها للجنس ولذا فسروا الحياة فيها بالبقاء.
الرابع : أن الآية فيها مطردة، بخلاف المثل فإنه ليس كل قتل أنفى للقتل، بل قد يكون أدعى له وهوالقتل ظلماً، وإنما ينفيه قتل خاص وهوالقصاص ففيه حياة أبداً.
الخامس : أن الآية خالية من تكرار لفظ القتل الواقع في المثل، والخالي من التكرار أفضل من المشتمل عليه وإن لم يكن مخلاً بالفصاحة.
السادس : أن الآية مستغنية عن تقدير محذوف، بخلاف قولهم فإن فيه حذف من التي بعد أفعل التفضيل وما بعدها، وحذف قصاصاً مع القتل الأول وظلماً مع القتل الثاني، والتقدير : القتل قصاصاً أنفى للقتل ظلماً من تركه.
السابع : أن في الآية طباقاً، لأن القصاص يشعر بضد الحياة بخلاف المثل.


الصفحة التالية
Icon