﴿وَلَكُمْ فِي القصاص حياة﴾ عطف على قوله تعالى :﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة : ١٧٨] والمقصود منه توطين النفس على الانقياد لحكم القصاص لكونه شاقاً للنفس وهو كلام في غاية البلاغة وكان أوجز كلام عندهم في هذا المعنى القتل أنفى للقتل وفضل هذا الكلام عليه من وجوه، الأول : قلة الحروف، فإن الملفوظ هنا عشرة أحرف إذا لم يعتبر التنوين حرفاً على حدة وهناك أربعة عشر حرفاً، الثاني : الاطراد، إذ في كل قصاص حياة وليس كل قتل أنفى للقتل فإن القتل ظلماً أدعى للقتل. الثالث : ما في تنوين (حياة) من النوعية أو التعظيم. الرابع : صنعة الطباق بين القصاص والحياة فإن القصاص تفويت الحياة فهو مقابلها. الخامس : النص على ما هو المطلوب بالذات أعني الحياة فإن نفي القتل إنما يطلب لها لا لذاته. السادس : الغرابة من حيث جعل الشيء فيه حاصلاً في ضده، ومن جهة أن المظروف إذا حواه الظرف صانه عن التفرق، فكان القصاص فيما نحن فيه يحمي الحياة من الآفات. السابع : الخلوّ عن التكرار مع التقارب، فإنه لا يخلو عن استبشاع، ولا يعد ردع العجز على الصدر حتى يكون محسناً. الثامن : عذوبة اللفظ وسلاسته حيث لم يكن فيه ما في قولهم من توالي الأسباب الخفيفة إذ ليس في قولهم : حرفان متحركان على التوالي إلا في موضع واحد، ولا شك أنه ينقص من سلاسة اللفظ وجريانه على اللسان، وأيضاً الخروج من الفاء إلى اللام أعدل من الخروج من اللام إلى الهمزة لبعد الهمزة من اللام وكذلك الخروج من الصاد إلى الحاء أعدل من الخروج من الألف إلى اللام التاسع : عدم الاحتياج إلى الحيثية، وقولهم : يحتاج إليها. العاشر : تعريف القصاص بلام الجنس الدالة على حقيقة هذا الحكم المشتملة على الضرب والجرح والقتل وغير ذلك، وقولهم : لا يشمله الحادي عشر : خلوه من أفعل الموهم أن في الترك نفياً للقتل أيضاً. الثاني عشر : اشتماله على ما يصلح للقتال وهو الحياة


الصفحة التالية
Icon