كما أن الروح لا تبذل إلا بذلك.
ولما كان أهل الكتاب قد بدلوا حكم التوراة في القصاص الذي أشير بآية المائدة إلى أنه كتب عليهم العدل فيه فكان من كان منهم أقوى جعل لقومه في ذلك فضلاً فكان بنو النضير كما نقله ابن هشام في السيرة يأخذون في قتلاهم الدية كاملة وبنو قريظة نصف الدية وكان بعضهم كما نقله البغوي في سورة المائدة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقتل النفس بالنفس أشار سبحانه وتعالى إلى مخالفتهم في هذا الجور مبيناً للمساواة :﴿الحر بالحر﴾ ولا يقتل بالعبد لأن ذلك ليس بأولى من الحكم المذكور ولا مساوياً بقتل العبد به لأنه أولى ولا بالحكم فهو مفهوم موافقة.
ولما قدم هذا لشرفه تلاه بقوله :﴿والعبد بالعبد﴾ تعظيماً للذكورية، وكذا يقتل بالحر لأنه أولى، ولا يقتل الحر بالعبد لأنه ليس مساوياً للحكم ﴿والأنثى بالأنثى﴾ وتقتل الأنثى بالذكر والذكر بها، لأن كلًّ منهما مساوٍ للآخر وفاقا للأصل المؤيد بقوله ﷺ " النساء شقائق الرجال " احتياطاً للدماء التي انتهاكها أكبر الكبائر بعد الشرك، ونقصت الدية النصف إن كانت بدل الدم وفاقاً لقوله تعالى ﴿وللرجال عليهن درجة﴾ [البقرة : ٢٢٨] وتنبيهاً على انحطاط حرمة الأموال عن حرمة الدماء على أن تصيب مفهوم الآية أنه لا يقتل بالمقتول إلا قاتله، وإذا تأملت قوله ﴿القتلى﴾ دون أن يقول : القتل. علمت ذلك. قال الحرالي : لأن أخذ غير الجاني ليس قصاصاً بل اعتداء ثانياً ولا ترفع العدوى بالعدوى إنما ترفع العدوى بالقصاص على نحوه وحده - انتهى. وكذا أخذ غير المساوي اعتداء فلا يقتل مسلم بكافر بما أفهمه القصاص، وتقييد الحكم بأهل الإيمان مع قوله سبحانه وتعالى ﴿لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة﴾ [الحشر : ٢٠] في أمثالها من الآيات. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٣٣٠ ـ ٣٣٢﴾
قال العلامة ابن عاشور :