والأوّل أولى ؛ لأن جميع طوائف الكفر تتصف بأن الله سبحانه غضب عليها ﴿ قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخرة ﴾ "من" لابتداء الغاية، أي : أنهم لا يوقنون بالآخرة ألبتة بسبب كفرهم ﴿ كَمَا يَئِسَ الكفار مِنْ أصحاب القبور ﴾ أي : كيأسهم من بعث موتاهم لاعتقادهم عدم البعث، وقيل : كما يئس الكفار الذين قد ماتوا منهم من الآخرة، لأنه قد وقفوا على الحقيقة، وعلموا أنه لا نصيب لهم في الآخرة، فتكون "من" على الوجه الأوّل ابتدائية، وعلى الثاني بيانية، والأوّل أولى.
وقد أخرج البخاري عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم أن رسول الله ﷺ لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاءه نساء مسلمات، فأنزل الله :﴿ ياأيها الذين ءامَنُواْ إِذَا جَاءكُمُ المؤمنات مهاجرات ﴾ حتى بلغ ﴿ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر ﴾ فطلق عمر يومئذٍ امرأتين كانتا له في الشرك.
وأخرجه أيضاً من حديثهما بأطول من هذا، وفيه، وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله ﷺ، وهي عانق، فجاء أهلها يسألون رسول الله ﷺ يرجعها إليهم حتى أنزل الله في المؤمنات ما أنزل.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ فامتحنوهن ﴾ قال : كان امتحانهنّ أن يشهدن أن لا إله إلاّ الله، وأن محمداً عبده ورسوله، فإذا علموا أن ذلك حقاً منهنّ لم يرجعن إلى الكفار، وأعطى بعلها في الكفار الذين عقد لهم رسول الله ﷺ صداقها الذي أصدقها، وأحلهنّ للمؤمنين إذا آتوهنّ أجورهنّ.
وأخرج ابن مردويه عنه قال : نزلت سورة الممتحنة بعد ذلك الصلح، فكان من أسلم من نسائهم، فسئلت : ما أخرجك؟ فإن كانت خرجت فراراً من زوجها، ورغبة عنه ردّت، وإن كانت خرجت رغبة في الإسلام أمسكت، وردّ على زوجها مثل ما أنفق.