وأما أن يقول نعم أنا أفعل ؛ ثم يبدو له، فلا أرى عليه ذلك.
قلت : أي لا يقضى عليه بذلك ؛ فأما في مكارم الأخلاق وحسن المروءة فنَعَم.
وقد أثنى الله تعالى على من صَدَق وعده ووَفَى بنذره فقال :﴿ والموفون بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ ﴾ [ البقرة : ١٧٧ ]، وقال تعالى :﴿ واذكر فِي الكتاب إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوعد ﴾ [ مريم : ٥٤ ] وقد تقدم بيانه.
الثالثة : قال النَّخَعِيّ : ثلاث آيات منعتني أن أقص على الناس ﴿ أَتَأْمُرُونَ الناس بالبر وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [ البقرة : ٤٤ ] ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلى مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ﴾ [ هود : ٨٨ ]، ﴿ يا أيها الذين آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ ﴾.
وخرّج أبو نُعيم الحافظ من حديث مالك بن دِينار عن ثُمَامة أن " أنس بن مالك قال : قال رسول الله ﷺ :"أتيت ليلة أسْرِيَ بي على قوم تُقرض شفاههم بمقاريض من نار كلما قُرضت وَفَت" قلت :" من هؤلاء يا جبريل"؟ قال :"هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون ولا يفعلون ويقرءون كتاب الله ولا يعملون" " وعن بعض السلف أنه قيل له : حدِّثْنا ؛ فسكت.
ثم قيل له : حدِّثنا.
فقال : أتروْنني أن أقول ما لا أفعل فأستعجل مقت الله!
الرابعة : قوله تعالى :﴿ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ ﴾ استفهام على جهة الإنكار والتوبيخ، على أن يقول الإنسان عن نفسه من الخير ما لا يفعله.
أما في الماضي فيكون كذباً، وأما في المستقبل فيكون خُلْفاً، وكلاهما مذموم.
وتأول سفيان بن عُيَينة قوله تعالى :﴿ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ ﴾ أي لم تقولون ما ليس الأمر فيه إليكم، فلا تدرون هل تفعلون أو لاتفعلون.
فعلى هذا يكون الكلام محمولاً على ظاهره في إنكار القول.