ومعنى التعجب تعظيم الأمر في قلوب السامعين، وأسند إلى ﴿ أَن تَقُولُواْ ﴾ ونصب ﴿ مَقْتاً ﴾ على تفسيره دلالة على أن قولهم :﴿ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ﴾ مقت خالص لا شوب فيه لفرط تمكن المقت منه، واختير لفظ المقت لأنه أشد البغض وأبلغه، ومنه نكاح المقت لتزوج الرجل امرأة أبيه، ولم يقتصر على أن جعل البغض كبيراً حتى جعل أشده وأفحشه، وعند الله أبلغ من ذلك لأنه إذا ثبت كبر مقته عند الله تعالى الذي يحقر دونه سبحانه كل عظيم فقد تم كبره وشدته وانزاحت عنه الشكوك، وتفسير المقت بما سمعت ذهب إليه غير واحد من أهل اللغة، وقال ابن عطية : المقت البغض من أجل ذنب.
أو ريبة.
أو دناءة يصنعها الممقوت، وقال المبرد : رجل ممقوت ومقيت إذا كان يبغضه كل واحد، واستدل بالآية على وجوب الوفاء بالنذر ؛ وعن بعض السلف أنه قيل له : حدثنا فسكت، فقيل له : حدثنا فقال : وما تأمرونني أن أقول ما لا أفعل؟ فاستعجل مقت الله عز وجل، وقوله سبحانه :
﴿ إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يقاتلون فِى سَبِيلِهِ كَأَنَّهُم بنيان مَّرْصُوصٌ ﴾ بيان لما هو مرضى عنده سبحانه وتعالى بعد بيان ما هو ممقوت عند جل شأنه، وظاهره يرجح أن ما قالوه عبارة عن الوعد بالقتال دون ما يقتضيه ما روي عن الضحاك أو عن ابن زيد في سبب النزول، ويقتضي أن مناط التوبيخ هو إخلافهم لا وعدهم وصف مصدر وقع موقع اسم الفاعل، أو اسم المفعول، ونصبه على الحال من ضمير ﴿ يقاتلون ﴾ أي صافين أنفسهم أو مصفوفين، و﴿ كَأَنَّهُمْ ﴾ الخ حال من المستكن في الحال الأولى أي مشبهين في تلاصقهم ببنيان الخ، وهذا ما عناه الزمخشري بقوله : هما أي ﴿ صَفَّا ﴾ و﴿ كَأَنَّهُمْ ﴾ الخ حالان متداخلان، وقول ابن المنير إن معنى التداخل أن الحال الأولى مشتملة على الحال الثانية فإن هيئة الاتصاف هي هيئة الارتصاص خلاف المعروف من التداخل في اصطلاح النحاة، وجوز أن يكون حالا ثانية من الضمير.


الصفحة التالية
Icon