وهذا كناية عن تحذيرهم من الوقوع في مثل ما فعلوه يوم أحد بطريق الرمز، وكناية عن اللوم على ما فعلوه يوم أحد بطريق التلويح.
وتعقيب الآية بقوله :﴿ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً ﴾ [ الصف : ٤ ] الخ.
يؤذن بأن اللوم على وعد يتعلق بالجهاد في سبيل الله.
وبذلك يلتئم معنى الآية مع حديث الترمذي في سبب النزول وتندحض روايات أخرى رويت في سبب نزولها ذكرها في "الكشاف".
وفيه تعريض بالمنافقين إذ يظهرون الإِيمان بأقوالهم وهم لا يعملون أعمال أهل الإِيمان بالقلب ولا بالجسد.
قال ابن زيد : هو قول المنافقين للمؤمنين نحن منكم ومعكم ثم يظهر من أفعالهم خلاف ذلك.
وجملة ﴿ كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ﴾ بيان لجملة ﴿ لم تقولون ما لا تفعلون ﴾ تصريحاً بالمعنى المكنَّى عنه بها.
وهو خبر عن كون قولهم :﴿ ما لا تفعلون ﴾ أمراً كبيراً في جنس المقت.
والكِبَر : مستعار للشدة لأن الكبير فيه كثرة وشدة في نوعه.
و﴿ أن تقولوا ﴾ فاعل ﴿ كبر ﴾.
والمقت : البغض الشديد.
وهو هنا بمعنى اسم المفعول.
وانتصب ﴿ مقتاً ﴾ على التمييز لِجهة الكبر.
وهو تمييز نسبة.
والتقدير : كبر ممقوتاً قَولُكم ما لا تفعلونه.
ونُظِم هذا الكلام بطريقة الإِجمال ثم التفصيل بالتمييز لتهويل هذا الأمر في قلوب السامعين لكون الكثير منهم بمِظنة التهاون في الحيطة منه حتى وقعوا فيما وقعوا يوم أُحد.
ففيه وعيد على تجدد مثله، وزيد المقصود اهتماماً بأن وصف المقت بأنه عند الله، أي مقتٌ لا تسامح فيه.
وعدل عن جعل فاعل ﴿ كبر ﴾ ضمير القول بأن يقتصر على ﴿ كبر مقتاً عند الله ﴾ أو يقال : كبر ذلك مقتاً، لقصد زيادة التهويل بإعادة لفظه، ولإِفادة التأكيد.
و﴿ مَا ﴾ في قوله :﴿ ما لا تفعلون ﴾ في الموضعين موصولة، وهي بمعنى لام العهد، أي الفعل الذي وَعدتم أن تفعلوه وهو أحبّ الأعمال إلى الله أو الجهادُ.