ولما كانت رسالته ـ ﷺ ـ عامة لجميع الخلق لم يذكر في رسالته حرف الغاية كما ذكر في الرسالتين المذكورتين قبل فقال :﴿برسول﴾ أي إلى كل من شملته المربوبية ﴿يأتي﴾ ولما كان إتيانه بعده بمدة طويلة أدخل الجار فقال :﴿من بعدي﴾ ولما كان الإتيان بغاية البيان وإزاحة اللبس بكل اعتبار أقعد في العتاب لمن هفا بعده والأخذ لمن جفا فنقض عهده، أتى بالاسم الذي ما شارك النبي ـ ﷺ ـ فيه أحد في زمانه ولا قبله أصلاً، ووزنه دال على المبالغة في معناه فقال :﴿اسمه أحمد﴾ أي دال على أنه أبلغ الخلق حامداً ومحموداً وهو اسمه ـ ﷺ ـ في السماء التي سيصير إليها هذا المبشر، وفي تخصيصه بالذكر احتراز عن أن يتوهم أن البعدية في الرتبة لأنه يليح بتصديره بالهمزة التي هي أول الحروف مخرجاً وأشد حروف الحلق الذي هو أول المخارج وتضمينه الميم إلى أنه ـ ﷺ ـ كما أنه خاتم بما أشار إليه أشهر أسمائه وأعظمها " محمد " لابتدائه بالميم التي هي أمكن حروف الشفة التي هي خاتمة للحروف لأن مخرجها آخر المخارج، لا نبي بعده فهو فاتح مقدم باعتبار الذكر والشرف والحكم بالوصف الشريف لا نبي قبله في الخلق وجبت له النبوة وإن آدم لمنجدل في طينه وبين الروح والجسد كما في الحديث الذي أخرجه أحمد عن ميسرة الفجر ـ رضى الله عنه ـ والترمذي عن أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ وأخرجه البيهقي في أول دلائل النبوة وقال : إن معناه أنه كذلك في قضاء الله وتقديره، وكأنه يريد قضاء مكتوباً في أم الكتاب ومذكوراً لمن أراد من الملائكة قبل إتمام خلق آدم عليه الصلاة والسلام فإنه يحتمل أنه سبحانه وتعالى لما صور آدم عليه الصلاة والسلام جعل طينته شفافة تشف عن ذريته وجعل لصالحيهم نوراً يرى دون غيره، فلما رأوا أعظمهم نوراً سألوا عنه فأخبرهم سبحانه وتعالى به وأثبت ما أراد من أوصافه في أم الكتاب كما أنه كان نبياً


الصفحة التالية
Icon