وقوله تعالى :﴿يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءاياته﴾ أي بيناته التي تبين رسالته وتظهر نبوته، ولا يبعد أن تكون الآيات هي الآيات التي تظهر منها الأحكام الشرعية، والتي يتميز بها الحق من الباطل ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ أي يطهرهم من خبث الشرك، وخبث ما عداه من الأقوال والأفعال، وعند البعض ﴿يُزَكِّيهِمْ﴾ أي يصلحهم، يعني يدعوهم إلى اتباع ما يصيرون به أزكياء أتقياء ﴿وَيُعَلّمُهُمُ الكتاب والحكمة﴾ والكتاب : ما يتلى من الآيات، والحكمة : هي الفرائض، وقيل :﴿الحكمة﴾ السنة، لأنه كان يتلو عليهم آياته ويعلمهم سننه، وقيل :﴿الكتاب﴾ الآيات نصاً، والحكمة ما أودع فيها من المعاني، ولا يبعد أن يقال : الكتاب آيات القرآن والحكمة وجه التمسك بها، وقوله تعالى :﴿وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضلال مُّبِينٍ﴾ ظاهر لأنهم كانوا عبدة الأصنام وكانوا في ضلال مبين وهو الشرك، فدعاهم الرسول ﷺ إلى التوحيد والإعراض عما كانوا فيه، وفي هذه الآية مباحث :
أحدها : احتجاج أهل الكتاب بها قالوا قوله :﴿بَعَثَ فِي الأميين رَسُولاً مّنْهُمْ﴾ يدل على أنه عليه السلام كان رسولاً إلى الأميين وهم العرب خاصة، غير أنه ضعيف فإنه لا يلزم من تخصيص الشيء بالذكر نفي ما عداه، ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ [ العنكبوت : ٤٨ ] أنه لا يفهم منه أنه يخطه بشماله، ولأنه لو كان رسولاً إلى العرب خاصة كان قوله تعالى :﴿كَافَّةً لّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً﴾ [ سبإ : ٢٨ ] لا يناسب ذلك، ولا مجال لهذا لما اتفقوا على ذلك، وهو صدق الرسالة المخصوصة، فيكون قوله تعالى :﴿كَافَّة الناس﴾ دليلاً على أنه عليه الصلاة والسلام كان رسولاً إلى الكل.
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣)
﴿وَءاخَرِينَ﴾ عطف على الأميين.