وقال ابن عاشور :
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أجسامهم وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ﴾.
هذا انتقال إلى وضَحْ بعض أحوالهم التي لا يبرزونها إذا جاؤوا إلى النبي ﷺ ولكنها تبرز من مشاهدتهم، فكان الوضح الأول مفتتحاً بـ ﴿ إذا جاءك المنافقون ﴾ [ المنافقون : ١ ] وهذا الوضح مفتتحاً بـ ﴿ إذا رأيتهم ﴾.
فجملة ﴿ وإذا رأيتهم ﴾ معطوفة على جملة ﴿ فهم لا يفقهون ﴾ [ المنافقون : ٣ ] واقعة موقع الاحتراس والتتميم لدفع إيهام من يغره ظاهر صورهم.
واتبع انتفاء فقه عقولهم بالتنبيه على عدم الاغترَار بحسن صورهم فإنها أجسام خالية عن كمال الأنفس كقول حسان ولعله أخذه من هذه الآية :
لابأس بالقوم من طُول ومن غلظ
جِسم البغال وأحلام العصافِير...
وتفيد مع الاحتراس تنبيهاً على دخائلهم بحيث لو حذف حرف العطف من الجملتين لصح وقوعهما موقع الاستئناف الابتدائي.
ولكن أوثر العطف للتنبيه على أن هاتين صفتان تحسبان كمالاً وهما نقيصَتان لعدم تناسقهما مع ما شأنُه أن يكون كمالاً.
فإن جمال النفس كجمال الخلقة إنما يحصل بالتناسب بين المحاسن وإلا فرّبما انقلب الحسن موجب نقص.
فالخطاب في هذه الآية لغير معيّن يشمل كل من يراهم ممن يظن أن تغرّه صورهم فلا يدخل فيه النبي ﷺ لأن الله قد أطلعه على أحوالهم وأوقفه على تعيينهم فهو كالخطاب الذي في قوله في سورة [ الكهف : ١٨ ] ﴿ لو اطلعتَ عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً ﴾ والظاهر أن المراد بضمير الجمع واحد معيّن أو عدد محدود إذ يبعد أن يكون جميع المنافقين أحاسن الصور.
وعن ابن عباس : كان ابن أُبيّ جسيماً صحيحاً صبيحاً ذلق اللسان.
وقال الكلبي : المراد ابنُ أُبيّ والجِد بن قَيس ومعتب بن قُشير كانت لهم أجسام ومنظر وفصاحة.
وقال في الكشاف } : وقوم من المنافقين في مثل صفة ابن أُبيّ رؤساء المدينة.


الصفحة التالية
Icon