شُبهوا بالخُشُب المسنَّدة تشبيه التمثيل في حُسن المرأى وعدم الجَدوى، أفيد بها أن أجسامهم المعجَب بها ومقالَهم المصغى إليه خاليان عن النفع كخُلوّ الخُشب المسنَّدة عن الفائدة، فإذا رأيتموهم حسبتموهم أرباب لبّ وشجاعة وعلم ودراية.
وإذا اختبرتموهم وجدّتموهم على خلاف ذلك فلا تحْتفلوا بهم.
﴿ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ ﴾.
هذه الجملة بمنزلة بدل البعض من مضمون جملة ﴿ كأنهم خشب مسندة ﴾، أي من مخالفة باطنهم المشوه للظاهر المموّه، أي هم أهل جبن في صورة شجعان.
وهذا من جملة ما فضحته هذه السورة من دخائلهم ومطاوي نفوسهم كما تقدم في الآيات السابقة وإن اختلفت مواقعها من تفنن أساليب النظم، فهي مشتركة في التنبيه على أسرارهم.
والصيحة : المرة من الصياح، أي هم لسوء ما يضمرونه للمسلمين من العداوة لا يزالون يتوجّسون خيفة من أن ينكشف أمرهم عند المسلمين فهم في خوف وهلع إذا سمعوا صيحة في خصومة أو أنشدت ضالة خشُوا أن يكون ذلك غارة من المسلمين عليهم للإِيقاع بهم.
و﴿ كلّ ﴾ هنا مستعمل في معنى الأكثر لأنهم إنما يتوجّسون خوفاً من صيحات لا يعلمون أسبابها كما استعمله النابغة في قوله:
بها كل ذيَّال وخنساءَ ترعوي...
إلى كُلّ رَجَّاف من الرمل فارد
وقوله :﴿ عليهم ﴾ ظرف مستقر هو المفعول الثاني لفعل ﴿ يحسبون ﴾ وليس متعلقاً بـ ﴿ صيحة ﴾.
﴿ عَلَيْهِمْ هُمُ العدو ﴾.
يجوز أن تكون استئنافاً بيانياً ناشئاً عن جملة ﴿ يحسبون كل صيحة عليهم ﴾ لأن تلك الجملة لغرابة معناها تثير سؤالاً عن سبب هلعهم وتخوفهم من كلّ ما يتخيَّل منه بأس المسلمين فيجاب بأن ذلك لأنهم أعداء ألِدّاءُ للمسلمين ينظرون للمسلمين بمرآة نفوسهم فكما هم يتربصون بالمسلمين الدوائر ويتمنون الوقيعة بهم في حين يظهرون لهم المودة كذلك يظنون بالمسلمين التربص بهم وإضمار البطش بهم على نحو ما قال أبو الطيب :
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه


الصفحة التالية
Icon