وأصل ﴿ أنَّى ﴾ ظرف مكان وكثر تضمينه معنى الاستفهام في استعمالاته، وقد يكون للمكان المجازي فيفسر بمعنى ( كيفَ ) كقوله تعالى :﴿ قلتم أنى هذا ﴾ في سورة [ آل عمران : ١٦٥ ]، وفي قوله :﴿ أنَّى لهم الذكرى ﴾ في سورة [ الدخان : ١٣ ].
ومنه قوله هنا أنى يؤفكون }، والاستفهام هنا مستعمل في التعجيب على وجه المجاز المرسل لأن الأمر العجيب من شأنه أن يستفهم عن حال حصوله.
فالاستفهام عنه من لوازم أعجوبته.
فجملة ﴿ أنى يؤفكون ﴾ بيان للتعجيب الإجمالي المفاد بجملة ﴿ قاتلهم الله ﴾.
و﴿ يؤفكون ﴾ يُصرفون يقال : أفَكَه، إذا صرفه وأبعده، والمراد : صرفهم عن الهدى، أي كيف أمكن لهم أن يصرفوا أنفسهم عن الهدى، أو كيف أمكن لمضلليهم أن يصرفوهم عن الهدى مع وضوح دلائله.
وتقدم نظير هذه الآية في سورة براءة.
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥)
هذا حالهم في العناد ومجافاة الرسول ﷺ والإِعراض عن التفكر في الآخرة، بَلْهَ الاستعداد للفوز فيها.
و﴿ تعالوا ﴾ طَلَب من المخاطب بالحضور عند الطالب، وأصله فِعل أمر من التَعالي، وهو تكلف العُلو، أي الصعود، وتنوسي ذلك وصار لمجرد طلب الحضور، فلزم حالة واحدة فصار اسم فِعل، وتقدم عند قوله تعالى :﴿ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ﴾ الآية في سورة [ الأنعام : ١٥١ ].
وهذا الطلب يجعل تعالوا } مشعر بأن هذه حالة من أحوال انفرادهم في جماعتهم فهي ثالث الأغراض من بيان مختلف أنواع تلك الأحوال، وقد ابتدأت بـ ﴿ إذا ﴾ كما ابتدىء الغرضان السابقان بـ ﴿ إذا ﴾ ﴿ إذا جاءك المنافقون ﴾ [ المنافقون : ١ ].
و﴿ إذا رأيتَهم تعجبك أجسامهم ﴾ [ المنافقون : ٤ ].
والقائل لهم ذلك يحتمل أن يكون بعضَ المسلمين وَعَظوهم ونصحوهم، ويحتمل أنه بعض منهم اهتدى وأراد الإِنابة.