ولما كان جهلهم في هذا أشد لكثرة ما رأوا من نصرة الله لرسوله ـ ﷺ ـ ومن تابعه ـ رضى الله عنه ـ م وإعلائهم على كل من ناواهم، قال منبهاً على ذلك :﴿ولكن المنافقين﴾ أي الذي استحكم فيهم مرض القلوب.
ولما كانت الدلائل على عزة الله لا تخفى على أحد لما تحقق من قهره للملوك وغيرهم بالموت الذي لم يقدر أحد على الخلاص منه ولا المنازعة فيه، ومن المنع من أكثر المرادات، ومن نصر الرسول وأتباعهم بإهلاك أعدائهم بأنواع الهلاك، وبأنه سبحانه ما قال شيئاً إلا تم ولا قالت الرسل شيئاً إلا صدقهم فيه، ختم الآية بالعلم الأعم من الفقه فقال :﴿لا يعلمون﴾ أي لا لأحد لهم علم الآن، ولا يتجدد في حين من الأحيان، فلذلك هم يقولون مثل هذا الخراف، وروي أنه لما نزلت هذه الآية جاء عبد الله ولد عبد الله بن أبي ابن سلول الذي نزلت بسببه إلى أبيه، وذلك في غزوة المريسيع لبني المصطلق فأخذ بزمام ناقة أبيه وقال : أنت والله الذليل، ورسول الله ـ ﷺ ـ العزيز، ولما دنوا من المدينة الشريف جر سيفه وأتى أباه فأخذ بزمام ناقته.
وزجرها إلى ورائها وقال : إياك وراءك والله لا تدخلها حتى يأذن رسول الله ـ ﷺ ـ ولئن لم تقر بأن رسول الله ـ ﷺ ـ الأعز وأنت الأذل لأضربن عنقك، قال : أفاعل أنت؟ قال : نعم، قال : أشهد أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وشكا ولده إلى رسول الله ـ ﷺ ـ فأمره أن يدعه يدخل المدينة، فأطلق فدخل. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٧ صـ ٦١١ ـ ٦١٣﴾


الصفحة التالية