وقال القرطبى :
﴿ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ﴾
ذكرنا سبب النزول فيما تقدم.
وابن أُبيّ قال : لا تُنفقوا على مَن عند محمد حتى ينفضُّوا ؛ حتى يتفرّقوا عنه.
فأعلمهم الله سبحانه أن خزائن السموات والأرض له، ينفق كيف يشاء.
قال رجل لحاتم الأَصَمّ : من أين تأكل؟ فقال :﴿ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السماوات والأرض ﴾.
وقال الْجُنَيد : خزائن السموات الغيوب، وخزائن الأرض القلوب ؛ فهو عَلاَّم الغيوب ومُقَلِّب القلوب.
وكان الشِّبْليّ يقول :﴿ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السماوات والأرض ﴾ فأين تذهبون.
﴿ ولكن المنافقين لاَ يَفْقَهُونَ ﴾ أنه إذا أراد أمراً يَسَّرَه.
يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (٨)
القائل ابن أُبَيّ كما تقدم.
وقيل : إنه لما قال :﴿ لَيُخْرِجَنَّ الأعز مِنْهَا الأذل ﴾.
ورجع إلى المدينة لم يلبث إلا أياماً يسيرة حتى مات ؛ فاستغفر له رسول الله ﷺ، وألبسه قميصه ؛ فنزلت هذه الآية :﴿ لَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ ﴾.
وقد مضى بيان هذا كله في سورة "براءة" مستوفىً.
وروي أن عبد الله بن عبد الله بن أُبَيّ بن سلول قال لأبيه : والذي لا إله إلا هو لا تدخل المدينة حتى تقول : إن رسول الله ﷺ هو الأعَزّ وأنا الأذلّ ؛ فقاله.
تَوَهَّمُوا أن العزّة بكثرة الأموال والأتباع ؛ فبيّن الله أن العِزّة والمَنَعةَ والقُوّة لله. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١٨ صـ ﴾