ثم ذكر سبحانه مقالة شنعاء قالوها فقال :﴿ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الأعز مِنْهَا الأذل ﴾ القائل لهذه المقالة هو عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين، وعنى بالأعزّ : نفسه ومن معه، وبالأذلّ : رسول الله ﷺ ومن معه، ومراده بالرجوع : رجوعهم من تلك الغزوة، وإنما أسند القول إلى المنافقين مع كون القائل هو فرد من أفرادهم، وهو عبد الله بن أبيّ، لكونه كان رئيسهم وصاحب أمرهم، وهم راضون بما يقوله سامعون له مطيعون.
ثم ردّ الله سبحانه على قائل تلك المقالة فقال :﴿ وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي : القوّة والغلبة لله وحده ولمن أفاضها عليه من رسله وصالحي عباده لا لغيرهم.
اللَّهم كما جعلت العزّة للمؤمنين على المنافقين، فاجعل العزّة للعادلين من عبادك، وأنزل الذلة على الجائرين الظالمين ﴿ ولكن المنافقين لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ بما فيه النفع فيفعلونه، وبما فيه الضرّ فيجتنبونه، بل هم كالأنعام لفرط جهلهم ومزيد حيرتهم، والطبع على قلوبهم.
وقد أخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن زيد بن أرقم قال : خرجنا مع رسول الله ﷺ في سفر، فأصاب الناس شدّة، فقال عبد الله بن أبيّ لأصحابه :﴿ لاَ تُنفِقُواْ على مَنْ عِندَ رَسُولِ الله حتى يَنفَضُّواْ ﴾ من حوله، وقال :﴿ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الأعز مِنْهَا الأذل ﴾ فأتيت النبيّ ﷺ، فأخبرته بذلك، فأرسل إلى عبد الله بن أبيّ، فسأله، فاجتهد يمينه ما فعل، فقالوا : كذب زيد رسول الله، فوقع في نفسي مما قالوا شدّة حتى أنزل الله تصديقي في ﴿ إِذَا جَاءكَ المنافقون ﴾، فدعاهم النبيّ ﷺ ليستغفر لهم، فلوّوا رءوسهم، وهو قوله :﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ﴾ قال : كانوا رجالاً أجمل شيء.