وتقديم المجرور من قوله :﴿ ولله خزائن السماوات والأرض ﴾ لإِفادة قصر القلب وهو قلب للازم قولهم لا لصريحه لأن المنافقين لما قالوا :﴿ لا تنفقوا على من عند رسول الله ﴾ حسبوا أنهم إذا قطعوا الإِنفاق على مَن عند رسول الله لا يجد الرسول ﷺ ما ينفق منه عليهم فأعلم الله رسوله مباشرة وأعلمهم تبعاً بأن ما عند الله من الرزق أعظم وأوسع.
واستدراك قوله :﴿ ولكن المنافقين لا يفقهون ﴾ لرفع ما يتوهم من أنهم حين قالوا :﴿ لا تنفقوا على من عند رسول الله ﴾ كانوا قالوه عن بصيرة ويقين بأن انقطاع إنفاقهم على الذين يلوذون برسول الله ﷺ يقطع رزقهم فينفضون عنه بناء على أن القدرة على الإِنفاق منحصرة فيهم لأنهم أهل الأحوال وقد غفلوا عن تعدد أسباب الغنى وأسباب الفقر.
والمعنى : أنهم لا يدركون دقائق المدركات وخفاياها.
ومفعول ﴿ يفقهون ﴾ محذوف، أي لا يفقهون ذلك وهو مضمون ﴿ لله خزائن السماوات والأرض ﴾، أو نُزل الفعل منزلة اللازم مبالغة في انتفاء فقه الأشياء عنهم في كل حال.
يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (٨)
استئناف ثان على أسلوب التعداد والتكرير ولذلك لم يعطف.
ومثله يكثر في مقام التوبيخ.