ولما كان التقدير : فمن انتهى فهو من الفائزين، عطف عليه قوله :﴿ومن يفعل﴾ أي يوقع في زمن من الأزمان على سبيل التجديد والاستمرار فعل ﴿ذلك﴾ أي الأمر البعيد عن أفعال ذوي الهمم من الانقطاع إلى الاشتغال بالفاني والإعراض عن الباقي والإقبال على العاجل مع نسيان الآجل ﴿فأولئك﴾ أي البعداء عن الخير ﴿هم﴾ أي خاصة ﴿الخاسرون﴾ أي العريقون في الخسارة حتى كأنهم كانوا مختصين بها دون الناس، وذلك ضد ما أرادوا بتوفير النظر إليهم والإقبال عليهم من السعي للتكثير والزيادة والتوفير، وفي إفهامه أن من شغله ما يهمه من أمر دينه الذي أمره سبحانه به ونهاه عنه إضاعته وتوعده عليها كفاه سبحانه أمر دنياه الذي ضمنه له ونهاه أن يجعله أكبر همه وتوعده على ذلك، فما ذكره إلا من وجده في جميع أموره ديناً ودنيا، وتوجه إليه في جميع نوائبه، وأقبل عليه بكل همومه، وبذل نفسه له بذل من يعلم أنه مملوك مربوب فقد أمر ربه على نفسه واتخذه وكيلاً فاستراح من المخاوف، ولم يمل إلى شيء من المطامع فصار حراً.
ولما حذر من الإقبال على الدنيا، رغب في بذلها مخالفة للمنافقين فقال :﴿وأنفقوا﴾ أي ما أمرتم به من واجب أو مندوب، وزاد في الترغيب بالرضى منهم باليسير مما هو كله له بقوله :﴿من ما رزقناكم﴾ أي من عظمتنا وبلغ النهاية في ذلك بالرضا بفعل ما أمر به مع التوبة النصوح في زمن ما ولو قل بما أرشد إليه إثبات الجار، فقال مرغباً في التأهب للرحيل والمبادرة لمباغتة الأجل، محذراً من الاغترار بالتسويف في أوقات السلامة :﴿من قبل﴾ وفك المصدر ليفيد " أن " مزيد القرب فقال :﴿أن يأتي﴾ ولما كان تقديم المفعول كما تقدم في النساء أهول قال :﴿أحدكم الموت﴾ أي برؤية دلائله وأماراته، وكل لحظة مرت فهي من دلائله وأماراته.