كان النبى ﷺ فى غزاة من غزواته، فالتقى رجل من المسلمين يقال له: جِعال وآخر من المنافقين على الماء فازدحما عليه، فلطمه جعال، فأبصره عبدالله بن أبى، فغضب، وقال: ما أدخلْنا هؤلاء القوم دارنا إلاّ لنُلطمَ ما لهم؟ وكلهم الله إلى جعال، وذوى جعال!، ثم قال: إنكم لم منعتم أصحاب هذا الرجل الطعام لتفرقوا عنه، وانفضوا، فذلك قوله: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّواْ...﴾ ثم قال عبدالله بن أبى: ﴿لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ﴾ وسمعها زيد بن أرقم، فأخبر بها النبى ﷺ، ونزل القرآن: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ...﴾، ويجوز فى القراءة: "لَيُخْرَجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ" كأنك قلت: ليخرجن العزيز منها ذليلا، قرأ بعضهم: لنُخْرِجَن الأعزَّ منها الأذل أى: لنخِرجن الأعزَّ فى نفسه ذليلا.
﴿ وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴾
وقوله: ﴿فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ...﴾.
يقال: كيف جزم (وأكن)، وهى مردودة على فعل منصوب؟
فالجواب فى ذلك أن ـ الفاء ـ لو لم تكن فى أصدق كانت مجزومة، فلما رددت (وأكنْ)، ـ ردّت على تأويل الفعل لو لم تكن فيه الفاء، ومَن أثبت الواو ردَّه على الفعل الظاهر فنصبه، وهى فى قراءة عبدالله، "وأكونَ من الصالحين".
وَقد يجوز نصبها فى قراءتنا، وإن لم تكن فيها الواو ؛ لأن العربَ قد تسقط الواو فى بعض الهجاء، كما أسقطوا الألف من سليمن وأشباهه، ورأيت فى بعض مصاحف عبدالله: فقولا: فقلا بغير واو. أ هـ ﴿معانى القرآن / للفراء حـ ٣ صـ ١٥٨ ـ ١٦٠﴾


الصفحة التالية
Icon