وقوله تعالى :﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ءَامَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا﴾ ذلك إشارة إلى قوله :﴿سَاءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ قال مقاتل : ذلك الكذب بأنهم آمنوا في الظاهر، ثم كفروا في السر، وفيه تأكيد لقوله :﴿والله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لكاذبون﴾ وقوله :﴿فَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ﴾ لا يتدبرون، ولا يستدلون بالدلائل الظاهرة.
قال ابن عباس : ختم على قلوبهم، وقال مقاتل : طبع على قلوبهم بالكفر فهم لا يفقهون القرآن، وصدق محمد ﷺ، وقيل : إنهم كانوا يظنون أنهم على الحق، فأخبر تعالى أنهم لا يفقهون أنه طبع على قلوبهم، ثم في الآية مباحث :
البحث الأول : أنه تعالى ذكر أفعال الكفرة من قبل، ولم يقل : إنهم ساء ما كانوا يعملون، فلم قلنا هنا ؟ نقول : إن أفعالهم مقرونة بالأيمان الكاذبة التي جعلوها جنة، أي سترة لأموالهم ودمائهم عن أن يستبيحها المسلمون كما مر.
الثاني : المنافقون لم يكونوا إلا على الكفر الثابت الدائم، فما معنى قوله تعالى :﴿ثُمَّ كَفَرُواْ﴾ ؟ نقول : قال في "الكشاف" ثلاثة أوجه أحدها :﴿ءَامَنُواْ﴾ نطقوا بكلمة الشهادة، وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام ﴿ثُمَّ كَفَرُواْ﴾ ثم ظهر كفرهم بعد ذلك وثانيها :﴿ءَامَنُواْ﴾ نطقوا بالإيمان عند المؤمنين ﴿ثُمَّ كَفَرُواْ﴾ نطقوا بالكفر عند شياطينهم استهزاء بالإسلام كقوله تعالى :﴿وَإِذَا لَقُواْ الذين ءَامَنُواْ قَالُوا ءَامَنَّا﴾ وثالثها : أن يراد أهل الذمة منهم.


الصفحة التالية