إنما هذا القول من النبيّ ﷺ على سبيل الإنذار للمسلمين، والتحذير لهم أن يعتادوا هذه الخصال ؛ شَفَقاً أن تُفْضِيَ بهم إلى النفاق.
وليس المعنى : أن من بدرت منه هذه الخصال من غير اختيار واعتياد أنه منافق.
وقد مضى في سورة "براءة" القول في هذا مستوفىً والحمد لله.
وقال رسول الله ﷺ " المؤمن إذا حدّث صدق وإذ وعد أنجز وإذا ائتمن وَفَّى " والمعنى : المؤمن الكامل إذا حدّث صدق.
والله أعلم.
قوله تعالى :﴿ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله ﴾ قيل : معنى "نَشْهَدُ" نحلف.
فعبّر عن الحلف بالشهادة ؛ لأن كل واحد من الحلف والشهادة إثبات لأمر مُغَيّب ؛ ومنه قول قيس بن ذَرِيح :
وأشهد عند الله أني أحِبّها...
فهذا لها عندي فما عندها لِيا
ويحتمل أن يكون ذلك محمولاً على ظاهره أنهم يشهدون أن محمداً رسول الله ﷺ اعترافاً بالإيمان ونفياً للنفاق عن أنفسهم، وهو الأشبه.
﴿ والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ﴾ كما قالوه بألسنتهم.
﴿ والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُونَ ﴾.
أي فيما أظهروا من شهادتهم وحَلفِهم بألسنتهم.
وقال الفراء :﴿ والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُونَ ﴾ بضمائرهم، فالتكذيب راجع إلى الضمائر.
وهذا يدل على أن الإيمان تصديق القلب، وعلى أن الكلام الحقيقي كلام القلب.
ومن قال شيئاً واعتقد خلافه فهو كاذب.
وقد مضى هذا المعنى في أول "البقرة" مستوفى.
وقيل : أكذبهم الله في أيمانهم وهو قوله تعالى :﴿ وَيَحْلِفُونَ بالله إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ ﴾ [ التوبة : ٥٦ ].
اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢)
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى :﴿ اتخذوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ﴾ أي سترة.


الصفحة التالية
Icon